بغداد/ عراق أوبزيرفر
تحولات مهمة تشهدها الساحة السياسية العراقية، حيث بدأت تظهر العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية الجديدة التي تسعى لتغيير المشهد السياسي التقليدي في البلاد.
وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، كانت السياسة في العراق تحت هيمنة قوى سياسية كبيرة، مما جعل من الصعب على الأحزاب الناشئة والشبابية أن تجد لها موطئ قدم في هذا المشهد.
ولطالما كانت الساحة السياسية في العراق تحت سيطرة قوى كبيرة ومعروفة، حيث يهيمن عليها الأحزاب الكبيرة التي تمتلك المال السياسي والنفوذ، فمنذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، شهد العراق تحولاً سياسياً عميقاً، حيث تولت قوى سياسية جديدة السلطة، لكنها لم تخرج عن إطار الفساد والمحاصصة والطائفية.
هيمنة القوى الكبرى
وتُهيمن الأحزاب الكبرى على العملية السياسية، وتستأثر بالمال السياسي وصناعة القرار، ما يجعل من الصعب على أي قوة جديدة أن تتحدى هذا الوضع المعقد، والمرتبط بشبكة زبائنية كبيرة، وعلاقات مالية وسياسية واقتصادية، ومصالح متشعبة.
وبدأت حركات الأحزاب الشبابية والمدنية في الظهور كمحاولة لإحداث تغيير في هذه الوضع الثابت، حيث كانت حركة تشرين في عام 2019 بمثابة نقطة تحول رئيسية، إذ أطلقت سلسلة من الاحتجاجات التي طالب فيها المتظاهرون بإصلاحات جذرية ومحاربة الفساد، وأدت هذه الاحتجاجات إلى بروز مجموعة من الأحزاب والحركات الجديدة التي تسعى لاستعادة الثقة في النظام السياسي من خلال تقديم بدائل جديدة تسعى للتغير.
ومن بين هذه الأحزاب، “حركة امتداد” و”نازل أخذ حقي” و”البيت الوطني” وحركة”وعي”، إذ أن كل واحدة من هذه الحركات تسعى لتحقيق أهداف محددة، ولكنها تواجه تحديات ضمن مسيرتها السياسية.
فعلى سبيل المثال، تسعى “حركة امتداد” إلى أن تكون صوتاً للجيل الجديد الذي يشعر بالإحباط من الوضع الحالي، في المقابل، تركز حركة “نازل أخد حقي” على تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، بينما يهدف “البيت الوطني” إلى إعادة بناء الثقة بين المواطنين، وبناء دولة المواطنة.
تحديات تواجه الأحزاب الناشئة
وتواجه الأحزاب الناشئة العديد من التحديات التي تؤثر على قدرتها على التأثير بشكل فعال في السياسة العراقية، ومن بين هذه التحديات، الافتقار إلى الموارد المالية، لأن الأحزاب الجديدة غالباً ما تفتقر إلى الموارد اللازمة للتنافس مع الأحزاب الكبرى التي تستفيد من مصادر تمويل قوية، وتمتلك شبكات اقتصادية كبيرة، ومكاتب تدير أموالها، وهذا النقص في التمويل يؤثر على قدرتها على تنظيم الحملات الانتخابية والتواصل مع الناخبين بشكل رئيس.
كما تعاني هذه الأحزاب من ضعف القاعدة الجماهيرية، إذ أنها تواجه صعوبة في بناء قاعدة جماهيرية واسعة بسبب سيطرة الأحزاب الكبيرة على وسائل الإعلام والموارد المالية، كما أن ضعف التجربة السياسية قد يجعل من الصعب جذب الدعم الشعبي الكافي لهذه الأحزاب.
يُضاف إلى ذلك المعارضة الداخلية والانقسامات، حيث تعاني بعض الحركات من مشاكل داخلية، مثل الانقسامات والخلافات، ما يضعف قدرتها على العمل بشكل منظم وقوي، كما أن تلك المشكلات والخلافات تؤثر على قدرتها في تحقيق أهدافها وتقديم نفسها للمواطنين كبديل موثوق.
كما تواجه هذه الاحزاب على الدوام اتهامات بالتبعية والارتباط بأجندة خارجية، أو تكوين صلات بأحزاب تقليدية قديمة، ما يؤثر على مصداقية هذه الأحزاب والحد من قدرتها على كسب ثقة الناخبين.
مساع لخلق المساحة
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن الحركات السياسية الجديدة تستمر في محاولة إثبات وجودها والتأثير في المشهد السياسي، فعلى سبيل المثال، نظمت “حركة امتداد” و”نازل أخد حقي” فعاليات جماهيرية وحملات متعددة لتعزيز رسائلها وتوسيع قاعدة دعمها، كما سعت تلك الأحزاب خلال السنوات الماضية، إلى تشكيل تحالفات جديدة ومتنوعة، غير أنها لم تصمد، وسرعان ما تذهب بها رياح التفرقة.
إضافة إلى ذلك، فإن بعض الحركات الجديدة تتعاون مع منظمات المجتمع المدني والنشطاء السياسيين لتعزيز قدرتها على التأثير في الساحة السياسية، وبناء شبكة دعم قوية وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق أهدافها.
ماذا عن المستقبل؟
في ضوء الأوضاع الحالية، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى نجاح الأحزاب الجديدة في تحقيق أهدافها وإمكانية تجاوز التحديات التي تواجهها، وسط حديث عن عوامل عدة قد تؤثر على مستقبل هذه الحركات، كالتغييرات السياسية المقبلة مثل الانتخابات أو الإصلاحات السياسية، على فرص نجاح الأحزاب الجديدة، وإذا كانت هناك تغييرات في النظام السياسي، فقد تتيح للأحزاب الجديدة فرصة أكبر للتأثير.
كما أن القدرة على بناء تحالفات، والتعاون مع قوى سياسية أخرى سيكون عاملا حاسما في تحديد نجاحها، باعتبار أن التحالفات قد توفر الدعم المالي والسياسي اللازم لتحقيق أهدافها.
وتلعب استجابة الجمهور للحركات الجديدة وتأييدها دورا كبيراً في تحديد مستقبلها، فإذا نجحت هذه الأحزاب في كسب دعم جماهيري واسع، فقد تتمكن من تحقيق تأثير أكبر في السياسة العراقية، خاصة إذا ما تمكنت من معالجة المشكلات الداخلية والانقسامات التي ستكون حاسمة في تحقيق استقرارها ونجاحها.