
بغداد/ عراق أوبزيرفر
أثارت الاتفاقيات النفطية الجديدة التي عقدتها حكومة إقليم كردستان مع شركتين أميركيتين، خلال زيارة رئيس الحكومة مسرور بارزاني إلى واشنطن، عاصفة من الجدل في العراق، حيث تجددت الانقسامات الحادة حول دستورية العقود الموقعة، وطبيعة الصلاحيات الممنوحة للإقليم في إدارة موارده الطبيعية، وبينما يحتفي الإقليم بهذه الخطوة بوصفها “نقلة نوعية” في مسار تطوير قطاع الطاقة، ترى بغداد فيها “خرقًا دستوريًا صريحًا” و”تعديًا على السيادة الوطنية”.
وأشرف بارزاني من العاصمة الأميركية على توقيع اتفاقيتين للطاقة مع شركتي “HKN Energy” و”Western Zagros”، في مقر غرفة التجارة الأميركية، لتطوير حقلَي “ميران” و”توبخانه” في محافظة السليمانية، ضمن مشروع يُقدّر الإقليم كلفته الإجمالية بنحو 110 مليارات دولار.
ووفق ما أعلنته حكومة الإقليم، تهدف هذه الاتفاقات إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وزيادة تصدير الغاز إلى الأسواق الإقليمية والدولية، من خلال بنى تحتية حديثة، تشمل إنشاء وحدات إنتاج جديدة، وتمديد خطوط نقل وتخزين وتسييل الغاز.
وقال بارزاني إن “حكومة الإقليم تملك الحق الدستوري الكامل في التعاقد بمجال تطوير الطاقة”، مضيفًا أن “الشركتين اللتين وُقعت معهما الاتفاقات ليستا جديدتين في الإقليم، بل تعملان منذ أكثر من 15 عامًا ضمن بيئة قانونية واضحة”.
ردود غاضبة من بغداد
في المقابل، عبّرت قوى سياسية عديدة عن رفضها التام لما وصفته بـ”الاتفاقيات غير القانونية”، محذرة من أن استمرار تجاوز حكومة الإقليم لصلاحيات الحكومة الاتحادية سيزيد من تعقيد الأزمة السياسية القائمة ويهدد وحدة القرار الوطني في ملف يعد من أبرز أعمدة السيادة الاقتصادية.
وأصدرت (جبهة نواب الوسط والجنوب) بيانًا شديد اللهجة قالت فيه: “إننا نرفض هذه العقود التي لم تُعرض على البرلمان أو الجهات الاتحادية المختصة، ونعدّها استمرارًا لنهج التفرد واحتكار الثروات الذي تنتهجه حكومة الإقليم، بل إنها صدرت من حكومة منتهية الصلاحية أصلًا في أربيل”.
وأضاف البيان أن “المادة 111 من الدستور العراقي واضحة في أن النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي، ويجب أن تدار مواردهما من قبل الحكومة الاتحادية بالتعاون مع الأقاليم، لا بمعزل عنها”.
خلاف دستوري
بدوره، أكد المحلل السياسي العراقي غازي فيصل أن “الأزمة ليست جديدة، بل تعكس فجوة دستورية قائمة منذ 2005، حين صيغ الدستور العراقي بلغة فضفاضة في بعض مواده”.
وقال فيصل لـ”عراق أوبزيرفر” إن “المادتين 112 و121 تمنحان الأقاليم صلاحيات موسعة لإدارة شؤونها، بما في ذلك بعض الجوانب الاقتصادية والإدارية، لكن المادة 111 تُعيد التأكيد على مبدأ الإدارة المشتركة للثروات السيادية”، مضيفاً أن “هذا التداخل في الصلاحيات أوجد مساحة رمادية لطالما استغلتها الأطراف السياسية لتبرير مواقفها”.
وأشار إلى أن الشركات الأميركية تتعامل مع الإقليم من منطلق أنه يملك سلطة تنفيذية مستقلة فعلية، لكنها توازن ذلك بعدم الإضرار بعلاقاتها مع بغداد، خصوصًا في ظل العقوبات والموازنات الأمنية المرتبطة بالوجود الأميركي في العراق.
ويحذّر مراقبون من أن هذه الاتفاقيات قد تتحول إلى أداة تفاوضية في يد أربيل في صراعاتها السياسية والمالية مع الحكومة المركزية، خصوصًا ما يتعلق بحصة الإقليم من الموازنة الاتحادية، وتسوية مستحقات شركات النفط العاملة في الإقليم، وقضية تسليم الإيرادات إلى بغداد.
وعلى الصعيد الداخلي الكردي، يرى متابعون أن توقيع العقود في مناطق تقع تحت نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني (مثل السليمانية) يشي بتحوّل نوعي في العلاقة بين الحزبين الكرديين الكبيرين، إذ يبدو أن الاتحاد بات مستعدًا للسير ضمن رؤية الحزب الديمقراطي الكردستاني مقابل مكاسب معينة، سواء في ملف الرواتب أو مشاريع البنية التحتية.
ومع أن الاتفاقات تمت برعاية حكومة الإقليم ككل، إلا أن معلومات متقاطعة تشير إلى تفاهمات خلف الكواليس بين الحزبين لضمان تمرير هذه الصفقات دون اعتراض داخلي، في خطوة قد تنذر إما بتقارب تكتيكي بين الجانبين أو بتثبيت وقائع ميدانية تُسهم في إعادة رسم النفوذ داخل الإقليم.