
بغداد | عراق أوبزيرفر
فيما يقترب العراق من استحقاق انتخابي جديد، تتصاعد حدة النقاشات داخل الأوساط السياسية والشعبية حول آليات تشكيل الحكومة المقبلة، وهل تُبنى على معادلة التوافق السياسي كما درجت العادة منذ 2003، أم يُحتكم إلى نتائج صناديق الاقتراع بوصفها التعبير الصريح عن الإرادة الشعبية.
ومنذ أول انتخابات برلمانية بعد سقوط النظام السابق، شكّلت عبارة “الكتلة الأكبر” مثار جدلٍ دستوري وسياسي مستمر، ففي حين يرى البعض أن المقصود بها القائمة التي تفوز بأعلى عدد من المقاعد، يصرّ آخرون على أنها التحالف الذي يتشكل بعد الانتخابات ويضم غالبية المقاعد، وهذا الغموض كان سببًا في تأخير تشكيل الحكومات، ودخول البلاد في فترات فراغ دستوري وتعطيل للسلطات التنفيذية.
وأبرز الأمثلة على ذلك، ما جرى عقب انتخابات عام 2010، حين فازت قائمة “العراقية” برئاسة إياد علاوي بأكبر عدد من المقاعد، لكنها لم تُكلف بتشكيل الحكومة، بعد أن تمكن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي من جمع أغلبية نيابية لاحقًا، ما أشعل أزمة سياسية استمرت شهورًا، وأفقدت الثقة بمفهوم “الفائز يحكم”.
في هذا السياق، يؤكد النائب المقرب من رئيس الوزراء، محمد الصيهود، أن “معادلة المقاعد يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في مرحلة ما بعد الانتخابات، وإن الذهاب الكامل نحو معادلة التوافق يُعد خروجًا عن إرادة الشعب، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد”.
وقال الصيهود في تصريح صحفي إن “التمسك بنتائج الانتخابات هو السبيل الأمثل لتكريس الديمقراطية وتفعيل دور الناخبين في صناعة القرار”، معتبراً أن “تجاوز هذه الإرادة عبر التوافقات السياسية يمثل انتكاسة للمسار الديمقراطي”.
معادلة جديدة
ويتفق مراقبون على أن الانتخابات المقبلة قد تكون نقطة تحول جوهرية في إعادة رسم ملامح التوازن السياسي في العراق، في ظل تصاعد الدعوات لاعتماد نتائج صناديق الاقتراع أساسًا لتشكيل الحكومة، بعيدًا عن المحاصصة الطائفية والحزبية التي عُرفت بها الحكومات السابقة.
بدوره، أكد المحلل السياسي حسن العامري، أن “الانتخابات المقبلة ستكون محورية في تحديد مستقبل النظام السياسي، وشرعيتها ستعتمد على نسبة المشاركة، التي يُرجّح ألا تقل عن 51%، وهو ما سيمثل معيارًا حاسمًا لاعتماد النتائج”.
وقال العامري لـ”عراق أوبزيرفر”، إن “المطالب التي يرفعها مؤيدو رئيس الوزراء بشأن الاعتماد على نتائج المقاعد في تشكيل الحكومة تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الديمقراطية وتفعيل دورها في العملية السياسية”.
وأضاف أن “هذه الآلية تتيح للحكومات أن تكون أكثر استجابة لإرادة الناخبين، وتعيد بناء الثقة بالمؤسسات، كما تعزز الشفافية والمساءلة وترسخ أسس تطبيق القانون”.
وتابع أن “هذا التحول قد يربك التوازنات التقليدية في العراق، في ظل تعدد الأحزاب السياسية وتباين مصالحها، لا سيما مع وجود قوى تعتبر أن لها أحقية عرفية أو تاريخية في إدارة الدولة، مما قد يؤدي إلى خلق أزمات جديدة في حال غياب التوافق”.
ولفت العامري إلى أن “الانتخابات القادمة قد تعيد صياغة اللعبة السياسية بالكامل، خصوصًا في ظل الدعوات الدولية لضبط السلاح وتقليص هيمنة الأحزاب المرتبطة بفصائل مسلحة”.
مسار شاق
وعلى مدى السنوات الماضية، ظل تشكيل الحكومات العراقية مرتهنًا بالتفاهمات بين الكتل الكبرى، سواء داخل مكونات المذهب الواحد أو بين المكونات الثلاثة الرئيسية (الشيعة، السنة، الكرد). وجرت العادة أن تتوزع المناصب الأساسية بين هذه الأطراف، في معادلة “توافقية” أُطلق عليها لاحقًا اسم “المحاصصة”، وهو ما جعل أغلب الحكومات هشّة، ضعيفة، وفاقدة لبرامج حقيقية.
أما المعارضون لهذا النموذج، فيدعون اليوم إلى مرحلة سياسية جديدة، تُبنى على احترام الإرادة الشعبية، واعتماد نتائج الاقتراع كمرتكز أساسي لاختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، معتبرين أن هذا التحول قد يكون المفتاح لإصلاح المنظومة السياسية، وإعادة الثقة بين المواطن والدولة.