امنرئيسية

القمة الأمنية التركية – العراقية من وجهة نظر امريكية

 

تناول تقرير موسع لموقع قناة الحرة أهمية القمة الأمنية التركية – العراقية التي تحتضنها بغداد بمشاركة مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين.

وذكر الموقع أن القمة الأمنية التي تشهدها بغداد الخميس لا تعتبر “حدثا اعتياديا” بين العراق وتركيا كما ينظر إليها مراقبون من كلا البلدين.

وبحسب الموقع، يرتبط ذلك بما سبقها من تمهيد وتلميح وزيارات انطلقت في غالبيتها من أنقرة ووصلت قبل يومين إلى الحدود التي دائما ما تشكّل أساس التوتر بينهما.

ويحضر القمة من الجانب التركي وزير الخارجية، حقان فيدان ورئيس الاستخبارات، إبراهيم قالن ووزير الدفاع، يشار غولر، بالإضافة إلى أحد نواب وزير الداخلية التركية، كما ذكرت وسائل إعلام رسمية.

ومن الجانب العراقي يشارك في القمة وزير الخارجية، فؤاد حسين ووزير الدفاع، ثابت محمد العباسي، ومسؤولون كبار من عدد من المؤسسات بما فيها الاستخبارات، وفق وسائل إعلام عراقية.

ستكون نتيجة المحادثات “مهمة” من حيث إظهار المسار الذي ستتبعه القوات التركية في عملية جديدة بشمال العراق، وفق ما ذكرت صحف مقربة من الحكومة  في تركيا بينها “حرييت”.

وذكر موقع “سي إن إن تورك” من جانبه أن المسؤولين سيناقشون زيارة الرئيس رجب طيب إردوغان المقررة إلى بغداد في أبريل المقبل، وأنها ستكون الأولى منذ 12 عاما.

وعلاوة على ذلك سيبحثون على “الطاولة الأمنية” قضايا أساسية هي: “اعتراف بغداد بحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، ومشروع طريق التنمية، وملف مياه نهري الفرات ودجلة”.

 

“تلميحات تركية”

 

ورغم أن القمة الحالية ليست الأولى أمنيا بين بغداد وأنقرة حيث كانت الأولى في تركيا ديسمبر 2023، تثير النتائج التي ستتمخض عنها اهتمام المراقبين، ولاسيما أن إردوغان مهد للملفات التي ستتناولها في وقت مسبق.

الرئيس التركي قال في الرابع من مارس الحالي إنهم “بصدد إتمام الطوق الأمني لتأمين الحدود التركية مع العراق”، وقال: “أوشكنا على إتمامه، وخلال الصيف القادم سنكون قد قمنا بحل هذه المسألة بشكل دائم”.

وبينما أكد أن “تركيا لاتزال مصممة على المضي قدما في إنشاء حزام أمني بعمق 30-40 كم على حدودها” أشار إلى ذلك وزير دفاعه غولر قبل أن يصل إلى بغداد لحضور القمة بيومين.

الوزير أعلن أيضا أن “تركيا بحاجة الآن إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى”، وأوضح أنه سيتم الانتهاء من عملية “المخلب القفل” صيف عام 2024، وسيتم توسيع العمليات لتشمل المناطق التي تحتاج إليها.

وأضاف أن الهدف هو “إنشاء ممر أمني لوقف الهجمات ضد تركيا من هذه المنطقة بشكل كامل”.

 

وجاء حديثه بعد وصول رئيس الاستخبارات قالن في زيارة سابقة إلى بغداد وأربيل من أجل إجراء مناقشات، وفي أعقاب سلسلة هجمات تعرض لها الجيش التركي في شمال العراق ما أسفر عن مقتل عناصر على يد “حزب العمال الكردستاني”.

 

هل من تغيّر طرأ؟

 

وتمتلك تركيا قواعد عسكرية في شمالي العراق، تقدرها وكالة رويترز بـ”العشرات”، وتبدأ من الحدود العراقية التركية وتنتشر عبر الجبال وحتى مناطق متقدمة من محافظة نينوى، على بعد 200 كيلومتر تقريبا من الحدود بين البلدين.

وانتقدت الحكومة العراقية تكرارا طوال سنوات الوجود التركي، لكنها لم تأخذ خطوات عملية حذرا كما يبدو من تهديد العلاقات مع تركيا، حسب ذات الوكالة.

وتقول تركيا إن وجودها العسكري في شمال العراق إنه يأتي بهدف تأمين حدودها من “حزب العمال الكردستاني” المدرج على قائمة “المنظمات الإرهابية” التي وضعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

ويتواجد الحزب المحظور هناك منذ ثمانينيات القرن الماضي، وحتى الآن لم تتوصل تركيا والعراق إلى تفاهم أو اتفاق يضمن تبديد المخاوف التركية وكبح الهجمات، التي تصاعدت في الفترة الأخيرة على نحو كبير.

ويعتقد الباحث السياسي التركي والزميل غير المقيم في “المجلس الأطلسي”، عمر أوزكيزيلجيك أن ما يجري على خط العلاقة بين أنقرة وبغداد يعتبر نتاج “نجاح السلطات في تركيا في إقناع العراق بزيادة مستوى تعاونه”.

ومع ذلك يرى أوزكيزيلجيك “تغيرا أكثر أهمية” يمكن التماسه من ما يحصل بين البلدين وهو مشروع “طريق التنمية”، الذي في حال تنفيذه سيدر 4 مليارات دولار سنويا، وسيحسن الأهمية الجيواستراتيجية والاقتصادية للعراق.

الباحث يعتبر أن “حزب العمال الكردستاني يشكل تهديدا أمنيا خطيرا وعقبة أمام تنفيذ المشروع”، ويرى أنه “لدى بغداد الآن حافظ للتعاون على خلاف الموقف الذي كانت عليه في السابق”.

 

ما هو “طريق التنمية”؟

 

يعتبر مشروع “طريق التنمية” أكثر فعالية من حيث التكلفة من الممر التجاري بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، كما يراه الباحث التركي.

ويقول: “ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا يهمش كلا من العراق وتركيا، ولذلك من مصلحة البلدين تنفيذ المبادرة”.

وتم الإعلان لأول مرة عن “طريق التنمية” خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا، في مارس 2023، حيث كشف عنه في مؤتمر صحفي مشترك للسوداني والرئيس التركي، إردوغان.

وأكد السوداني حينها اتخاذ خطوات جادة تجاه “تعزيز العلاقات بين البلدين في المجالات كافة وخاصة المجال الاقتصادي ووضع أسس تعزيز التعاون مع الأشقاء والجيران في هذا المجال الاقتصادي”، بحسب تقرير سابق لوكالة الأنباء العراقية “واع”.

وأشار إلى أن “مشروع طريق التنمية.. ليس فقط للعراق وتركيا وإنما للمنطقة والعالم، وهو الممر العالمي لنقل البضائع والطاقة ويربط الشرق بالغرب”، لافتا إلى أن “هذا الممر سينقل البضائع والطاقة”.

وكشف أن “طريق التنمية” يتضمن “خط للسكك الحديدية ينقل البضائع، في المرحلة الأولى بسعة 3.5 مليون طن، لنصل في المرحلة الثانية إلى 7.5 مليون طن، وطريق التنمية (القناة الجافة) سيشتمل على النقل البري وخطوط نقل الطاقة، فضلا عن ميناء الفاو”.

 

وهناك أعمال قائمة حاليا لتأهيل ميناء الفاو في أقصى جنوب العراق والمجاور لدول الخليج والذي سيكون محطة أساسية لتسلم البضائع قبل نقلها برا.

ويسمح هذا المشروع للعراق باستغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج وتركيا ثم أوروبا، ناهيك عن إعادة تأهيل البنية التحتية في البلاد، بحسب تقرير سابق لوكالة “فرانس برس”.

ويهدف المشروع كذلك إلى بناء 15 محطة قطار للبضائع والركاب على طول الخط، تنطلق من البصرة جنوبا مرورا ببغداد وصولا إلى الحدود مع تركيا.

وعلى مدى الأشهر الماضية لطالما أكد إردوغان عزم بلاده على إنجاز المشروع بالشراكة مع العراق، وفي تصريحات له أواخر العام الماضي قال: “سواء الإمارات أم قطر أم السعودية أم العراق، كلهم مصممون بشدة على هذا الموضوع (المشروع)”.

كما أكد أنه “لمس ذات التصميم حيال المشروع من الولايات المتحدة وألمانيا واليابان”.

 

ما الأصداء في العراق؟

 

ينظر إحسان الشمري رئيس مركز “التفكير السياسي” وأستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد إلى التحركات النشطة أمنيا ودبلوماسيا تركيا وعراقيا بأنها “تعود إلى الملفات العديدة التي تربط البلدين، وما تزال التفاهمات بشأنها عالقة”.

الملفات تبدأ من “قضية مكافحة الإرهاب” والمتمثل بـ”حزب  العمال” حسب وجهة النظر التركية، حسب الشمري، وقضية الوجود العسكري التركي في شمال العراق وقضية المياه التي تشكل ملفا ضاغطا على بغداد بشكل كبير.

إضافة إلى ملف “مشروع طريق التنمية” وما يمكن أن يحققه من زيادة روابط بين البلدين وملف تصدير النفط مرة أخرى عبر الأراضي التركية وتوسيع حجم التبادل التجاري.

ويقول الشمري لموقع “الحرة”: “هذه الملفات هي من تقرّب الأطراف، مع الأخذ بعين الاعتبار التنافس وصراع المشاريع الاقتصادية في المنطقة”.

ويدفع الصراع الذي أشار إليه أستاذ السياسات العامة العراقية كلا من بغداد وأنقرة إلى “تكثيف مستويات التنسيق”، وأردف بالقول: “نتحدث عن الطريق الأخضر من الهند عبر الإمارات وطريق الحرير ومن هنا تنبع أهمية طريق التنمية”.

ولا يمكن فصل ما يحصل بين أنقرة وبغداد عن المشهد العام في المنطقة، وفق الشمري.

ويضيف: “البلدان يريدان أن يكون لهما موقف ورؤية موحدة، وخاصة أن الحرب في غزة باتت ترسم ملامح التسوية في المنطقة”.

 

ماذا عن الحدود؟

 

وتحافظ تركيا على وجود عسكري شامل في شمال العراق وشمال سوريا ضمن نطاق “القضاء على المشكلة من مصدرها في الحرب ضد الإرهاب”.

وما تزال تؤكد حتى الآن على نيتها إطلاق حملات عسكرية إضافية، عبر البر والجو.

ووصلت قبل زيارة المسؤولين الأتراك إلى بغداد إلى حد إعادة الحديث عن “منطقة أمنية بعمق 40 كيلومترا”، حسبما صرح وزير الدفاع يشار غولر.

كما عقد قائد الجيش الثاني الترطي الفريق متين توكل والوفد المرافق له اجتماعا أمنيا على الحدود مع المسؤولين المحليين العراقيين، قبل يومين.

 

وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن “الاجتماع حصل داخل حدود منطقة عملية المخلب، وتمت مناقشة أمن الخط الحدودي العراقي التركي فيه وإجراءات زيادة أمن المواطنين العراقيين”.

وانتشر الجيش العراقي مؤخرا في منطقة استراتيجية في شمال العراق لمساعدة الجيش التركي ضد “حزب العمال الكردستاني”، وبدأ القادة على الأرض في تنسيق تحركاتهم، كما يشير الباحث التركي، عمر أوزكيزيلجيك.

ومع ذلك يقول إنه “لا يزال الحذر ضروريا، حيث يمكن لإيران أن تلعب دورا مفسدا كبيرا وتقوض هذا الزخم والخطط الجديدة”.

أوزكيزيلجيك يرى أن “تركيا في القضاء على معظم وجود حزب العمال الكردستاني بالقرب من منطقة الحدود التركية، مما جعل الحدود التركية العراقية آمنة”.

لكنه يوضح أن “الوجود المتبقي لحزب العمال الكردستاني يقع الآن جنوبا في جبال جارا، وجبال سنجار، وجبال مخمور، وجبال قنديل”.

ويضيف: “لمقاتلته هناك يحتاج الجيش التركي إلى دعم استخباراتي ولوجستي وعسكري من قوات البيشمركة الكردية والجيش العراقي، وبدون دعمهم، قد تكون أي عملية عسكرية مكلفة للغاية”.

 

“مقايضة وأوراق”

 

بدوره يقول أستاذ السياسات العامة العراقي، إحسان الشمري إن “العراق يريد أن ينظم علاقته الأمنية العسكرية مع تركيا خصوصا أن التواجد التركي كقواعد وبشكل عملياتي يحرج بغداد بشكل كبير جدا”.

ولذلك “قد تجد بغداد أن مقايضة ملف المياه بالملف الأمني يمكن أن يحقق لها مكاسب كبيرة جدا”.

ويعاني العراق بشدة من نقص المياه، وتقول بغداد إن هذه الأزمة سببت بتصحر نحو 70 بالمئة من الأراضي الزراعية في البلاد، بينما تلقي باللوم على كل من تركيا وإيران بشأن إقامة السدود التي قللت الحصة المائية للعراق بشكل كبير.

ومنذ سنوات، يحاول العراق الحصول على إطلاقات مائية أكبر من الأنهار التي تنبع من كلا البلدين، لكن مشاريع السدود التي يقيمها البلدان على تلك الأنهار تسببت بانخفاض واردات العراق المائية بشكل كبير.

الشمري يرى من جانب آخر أن “تركيا تستغل الانشغالات في المنطقة نتيجة حرب غزة وتريد أن تعمل على تصفير ملف حزب العمال عسكريا على أقل تقدير”، ويضيف أنها “قد تذهب مع العراق بتنسيق أعلى يصب في صالحها من خلال مذكرة تفاهم”.

ومن الجانب العراقي “قد تكون المذكرة من أهم القضايا التي يمكن أن يقدمها كتنازل لتركيا، لغرض أن تخوض حرب التصفير مع حزب العمال في شمال العراق”.

ويتابع الشمري أنه “يجب أيضا الأخذ بالاعتبار أن طريق التنمية بحاجة بيئة أمنية في شمال العراق، ولذلك قد يكون هناك اتفاق ضمن المذكرة بأن تقوم تركيا بتوفير هذه البيئة ما بين سنجار والحدود التركية العراقية”.

“الملف الأمني في الصدارة والزيارة الحاصلة أمنية بامتياز، ونحن أمام استراتيجية لاستخدام كل الأوراق التي يمكن أن تحقق مكاسب الدولتين”، حسبما أكد الشمري في ختام حديثه مع “الحرة”.

ويشير الباحث التركي أوزكيزيلجيك إلى أنه “من المقرر أن يزور الرئيس إردوغان العراق، ليصبح أول رئيس تركي يقوم بذلك منذ تورغوت أوزال”، مضيفا أن كل ذلك يأتي “بعدما اتخذ وزير الخارجية والدفاع التركيان مبادرة دبلوماسية تجاه العراق، في خطة لتنسيق الجهود بين الأتراك والأكراد والعرب لمحاربة حزب العمال”.

 

المصدر: ترك برس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى