
بغداد / عراق اوبزيرفر
في الأزقة الشعبية وعلى أرصفة المقاهي، حيث تعبق رائحة الشاي وتعلو ضحكات الشباب، تسمع أصوات التصفيق والهتافات المتحمسة، معلنة بدء واحدة من أكثر الألعاب الرمضانية شهرة في العراق “لعبة المحيبس”. إنها ليست مجرد لعبة، بل طقس اجتماعي متجذر في التراث الشعبي، يجمع بين الذكاء، الحيلة، وحماسة التنافس الودي.
*ليلة رمضانية بنكهة المحيبس
مع اقتراب موعد الإفطار، تبدأ التحضيرات. فرق الحي تتحلق حول الطاولات، ترتب أماكن الجلوس، ويوزع الشاي على الجميع، في انتظار انطلاق اللعبة. قائد كل فريق يختار لاعبيه، وغالبا ما يكون بينهم خبراء في قراءة الوجوه والحركات الدقيقة. ومع حلول الليل، يبدأ التحدي.
في إحدى الساحات الشعبية ببغداد، يجتمع أبناء الحي في حلقة دائرية، بينما يمسك قائد الفريق بالمحبس (الخاتم)، يخفيه بين أكف رفاقه، محاولا تمريره بمهارة دون أن يلاحظه الفريق الخصم. وعلى الجانب الآخر، يجلس الخصم بتركيز شديد، تتجول عيناه بين الأيادي المتشابكة، يحاول التقاط أي إشارة، نظرة، أو ارتعاشة بسيطة قد تكشف له عن مكان الخاتم.
*أكثر من مجرد لعبة
المحيبس ليست مجرد منافسة، بل حالة اجتماعية تخلق الألفة بين أبناء المنطقة، وتجمع الأجيال المختلفة في أجواء من المتعة والترابط. فاللعبة تتطلب دقة الملاحظة، سرعة البديهة، والقدرة على إخفاء التوتر، مما يجعلها اختبارا حقيقيا لمهارات التمويه والحدس.
يقول أبو علي، أحد كبار لاعبي المحيبس في بغداد: “هاي اللعبة إلها نكهة خاصة برمضان، من كنت طفل وأشوف الكبار يلعبونها، حلمت أصير واحد من المحترفين. المحيبس مو بس تسلية، بيها تحدي، ذكاء، وحس جماعي يجمعنا كل سنة بنفس الروح والمحبة”.
*المحيبس بين الماضي والحاضر
قديماً، كانت اللعبة تقام بين الأزقة والمقاهي، واليوم، امتدت لتشمل أندية رياضية ومهرجانات رمضانية كبيرة، حيث تتنافس فرق من مختلف المحافظات للفوز بلقب “أقوى فريق محيبس”. ورغم التطورات التكنولوجية، ما زالت اللعبة تحافظ على مكانتها في قلوب العراقيين، كإرث شعبي يعاد إحياؤه كل عام.
ومع اقتراب السحور، يعلن الفريق الفائز، وسط تصفيق وتشجيع الجميع، قبل أن تتكرر المواعيد في الليالي التالية. فالمحيبس ليس مجرد لعبة تلعب وتنتهي، بل ذاكرة رمضانية تتجدد كل عام، وتحمل معها روح العراق وأصالته.