
بغداد/ عراق أوبزيرفر
في مثل هذا اليوم من عام 2014، استيقظ العراقيون على واحدة من أكبر الكوارث في تاريخهم الحديث؛ سقوط الموصل، ثاني أكبر مدن البلاد، بيد تنظيم داعش الإرهابي، إذ لم تكن المدينة وحدها من سقطت، بل سقطت معها ثقة شعب كامل بمؤسساته الأمنية، وبدأت رحلة قاسية من الألم والخسارة والشتات.
ففي ساعات قليلة فقط، اجتاح مقاتلو التنظيم المدينة من دون مقاومة تُذكر، تاركين خلفهم مشهداً مفزعاً لانهيار تام في المنظومة العسكرية والأمنية.
وسرعان ما تحولت الموصل إلى عاصمة للرعب، حيث شهدت عمليات إعدام جماعي، وسُويت أحياءٌ تاريخية بالأرض، وأُجبر مئات الآلاف من سكانها على الفرار نحو المجهول، لا يحملون معهم سوى الذاكرة.
اليوم، وبعد أحد عشر عاماً، ما تزال جراح الموصل مفتوحة، رغم ما تحقق من نصر عسكري، صحيح أن تنظيم داعش فقد قدرته على السيطرة الجغرافية، وبات مجرد خلايا مطاردة، لكن الندوب العميقة التي تركها لا تزال تنبض في كل شارع، وفي عيون الأرامل والأيتام، وفي المدارس التي لم تُرمم، وفي أحياء لم تعد كما كانت.
الفتوى التي قلبت الموازين
بدوره، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، علي نعمة، أن “فتوى المرجعية الدينية العليا في النجف شكلت نقطة التحول الحاسمة في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي”، مشيراً إلى أن “النصر ما كان ليتحقق لولا تلاحم الشعب العراقي بكل مكوناته مع القوات الأمنية”.
وقال نعمة في تصريح لـ”عراق أوبزيرفر”، إن “الفضل الأول في التصدي لتنظيم داعش يعود إلى فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها سماحة السيد علي السيستاني، والتي شكلت دافعاً شعبياً وعقائدياً أسهم في ولادة مقاومة شعبية وطنية”.
وأضاف أن “جميع فئات الشعب العراقي ساهمت، سواء من المقاتلين أو الداعمين لوجستياً، في تحقيق النصر، وقدمت تضحيات جسيمة من الشهداء والجرحى”، لافتاً إلى أن “عام 2014 كان عاماً مفصلياً في تاريخ الدولة العراقية، لكن بفضل صمود القوات الأمنية، وكل التشكيلات الساندة، تم تحرير الأراضي من قبضة الإرهاب”.
وفي ما يتعلق بمصير قادة التنظيم، أوضح نعمة أن “أحكام الإعدام نُفذت بالكثير من رموز داعش المتورطين بدماء الأبرياء، في حين لا تشمل قوانين العفو أولئك الذين ارتكبوا جرائم كبرى”، مضيفاً “نأمل أن يتم استكمال تنفيذ كافة الأحكام بحق من تبقى تحقيقاً للعدالة”.
مدن لا تُشفى سريعاً
ورغم إعلان تحرير الموصل رسمياً في يوليو/تموز 2017، بعد معارك دامية دامت تسعة أشهر، فإن المدينة لا تزال تحاول استعادة أنفاسها، فمشاريع الإعمار تسير ببطء، وملفات تعويض الضحايا والمفقودين لم تُغلق، وأحياء كاملة ما زالت تحمل آثار القصف والدمار.
وتبقى المخاوف قائمة من عودة التطرف، في ظل استمرار الأزمات الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة بين الشباب، وهي بيئة قد تُعيد إنتاج العنف من جديد إن لم تُعالج بجذورها.
واليوم، في الذكرى الحادية عشرة، يقف الموصلّي بين مشاعر متداخلة، فمن جهة يفخر بالنصر المتحقق، لكنه من جهة أخرى يحزن على الفقد، والقلق من المجهول.
وبينما يتبادل الناس على مواقع التواصل صور مدينتهم قبل الاجتياح وبعد التحرير، يظل الحنين إلى “موصل أخرى” يرافقهم، لكنهم يريدونها نابضة بالحياة، لا تُعرف إلا بجامعها الكبير ومنائرها القديمة، لا بخوفٍ مرّ من خلفه التنظيم.