عواصم/ متابعة عراق اوبزيرفر
وعليه، فإنه لفوز كل منهما في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية دلالات وانعكاسات داخلياً وخارجياً بالنظر إلى اختلاف مدرستيهما السياسية ونظرتهما المختلفة تجاه مختلف القضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي، وخصوصاً العلاقات مع الخارج.
الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية
تأتي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعدما أخفق المرشحون الأربعة (بزشكيان وجليلي إلى جانب رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورجل الدين مصطفى بور محمدي) في الجولة الأولى بالحصول على النصف زائدا واحدا من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات، لتعاد الانتخابات بمشاركة المرشحين الحاصلين على أعلى نسبة أصوات توالياً. وقد حصل بزشكيان على نحو 10 ملايين و415 ألف صوت، يليه في الموقع الثاني جليلي بـ9 ملايين و473 ألف صوت.
وبعد أربعة أيام من حملات إعلامية مكثفة بين المرشحين الاثنين، دخلت البلاد فترة الصمت الانتخابي منذ الساعة الثامنة صباح أمس الخميس، أي قبل 24 ساعة من بدء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية اليوم، والتي يحق لـ61 مليوناً ونحو 500 ألف ناخب التصويت فيها، وتشكل النساء قرابة نصف الناخبين. ويستقبل 58 ألفاً و640 مركز اقتراع في أنحاء إيران الناخبين، فضلاً عن 344 مركز اقتراع خارج البلاد.
الحملات الانتخابية
ونظم التلفزيون الإيراني خلال الأيام الأربعة للدعاية الانتخابية، مناظرتين رئاسيتين بين المرشحين الاثنين، كانتا أكثر سخونة من سابقاتهما في الجولة الأولى، خصوصاً المناظرة الثانية منها، والتي كانت مشحونة، إذ تناول فيها المرشحان مختلف الملفات الداخلية والخارجية وفي مقدمتها الاقتصاد، والحجاب وحظر شبكات التواصل الاجتماعي ورفع العقوبات والاتفاق النووي والتفاوض مع أميركا بلغة أكثر حدة من منطلقات متباينة.
وبينما شدّد جليلي على استمرار سياسات حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، موجهاً سهام انتقاداته إلى حكومة الرئيس الأسبق حسن روحاني (2017-2021)، تبنى بزشكيان خطاباً أكثر انفتاحاً متوجهاً للشرائح المقاطعة والمترددة بدغدغة مشاعرها وطرح مواضيع تهمها. كما تباينت وجهات نظرهما في السياسة الخارجية بين إصرار بزشكيان على التفاوض والاتفاق مع أميركا لرفع العقوبات، مقابل تجنب جليلي الإشارة إلى الاتفاق وتشديده على ضرورة إفشال هذه العقوبات لسحب الورقة من الجيب الأميركي.
وفي خطوة غير مألوفة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وعد بزشكيان، الأربعاء الماضي، ناخبيه في مقطع مصور بأنه في حال أصبح رئيساً وأخفق في تنفيذ وعوده بسبب العقبات سيتنحى. يقول الخبير الإيراني عليرضا مجيدي، إن “حملة جليلي كانت الأقوى، بينما كانت حملة بزشكيان ضعيفة”، مشيراً إلى أن المرشح المحافظ “يمثل شريحة صغيرة في المجتمع الإيراني ويدور في حلقة مغلقة وهو غير مرن”.
ويضيف أن ذلك “يدفع الشارع والنخبة نحو منافسه الذي يمتلك مواصفات الانفتاح، وما يمكن أن يخدمه في كسب دعم جزء من النخب الإيرانية”. ويلفت مجيدي إلى أن الأجواء الانتخابية باتت في طهران والمدن الأخرى أكثر جدية وسخونة من قبل، عازياً السبب إلى “وجود مخاوف من فوز جليلي”، داعياً إلى “التريث بشأن ما إذا كانت لهذه الزيادة في السخونة بالمقارنة مع الجولة الأولى صدى وانعكاس داخل صناديق الاقتراع اليوم الجمعة”.
قطبية ثنائية
في الجولة الأولى، ورغم وجود مرشح إصلاحي واحد مقابل خمسة مرشحين محافظين (انسحب منهم اثنان)، لم يؤدِّ تعددهم لظهور قطبية ثنائية، إلا أن هذه القطبية تبدو واضحة وشديدة وحساسة في الجولة الثانية، إذ يقف المعسكر المحافظ بكل ثقله وأقطابه وقاعدته التصويتية خلف المرشح جليلي، وفي مقدمتهم قاليباف، الذي حل ثالثاً في الجولة الأولى بحصوله على نحو 3 ملايين و400 ألف صوت، فضلاً عن بقية المرشحين المحافظين، باستثناء مصطفى بور محمدي. كما تلاحق حملة جليلي، اتهامات من المعسكر الآخر بتوظيف إمكانيات وقدرات الحكومة في المحافظات والمدن لتحشيد الدعم له، فضلاً عن تسجيل اعتراض على تنظيم ملتقى لرؤساء مجالس القرى، وإلقاء المساعد التنفيذي للرئيس الإيراني محسن منصوري، كلمة فيه.
وعلى الضفة الإصلاحية أيضاً، تحشد جميع القوى الإصلاحية المنضوية تحت لواء جبهة الإصلاحات الإيرانية، طاقاتها وإمكانياتها دعماً للمرشح بزشكيان، إلا أن التحدي الكبير الذي ما يزال يواجهه التيار ومرشحه هو أن شرائح واسعة من قاعدته الجماهيرية الشبابية ما تزال غير راغبة بالمشاركة في الانتخابات. وكان ذلك العزوف قد حال دون حسم النتيجة في الجولة الأولى رغم تصدر بزشكيان نتائجها، وبالتالي فإن القاعدة التصويتية الإصلاحية ليست منظمة بل متحركة ومترددة، عكس قاعدة المحافظين الأكثر تنظيماً كونها تتحرك من منطلقات أيديولوجية وعقائدية.
أمل بزيادة المشاركة
تتمثل المفاجأة في الجولة السابقة بهبوط قياسي آخر لنسبة المشاركة في الانتخابات بعدما بلغت نحو 40% عكس التوقعات السائدة بارتفاعها نتيجة قرار الإصلاحيين خوض السباق الرئاسي بمرشح خاص بهم، والذي لم يسهم في زيادة نسبة المشاركة في ظل إخفاق التيار الإصلاحي في إقناع المقاطعين والمترددين من الناخبين بالمشاركة في الانتخابات.