
بغداد/ عراق أوبزيرفر
أثار إعلان حزب العمال الكردستاني إنهاء الكفاح المسلح بعد نحو أربعة عقود من النزاع مع أنقرة، موجة تفاعلات سياسية وأمنية متسارعة، لا سيما في العراق، حيث يُعد وجود مقاتلي الحزب في الشمال أحد أبرز مبررات الوجود العسكري التركي.
ورغم الترحيب العراقي الرسمي بهذه الخطوة، إلا أن التساؤلات لا تزال قائمة حول مصير الترسانة العسكرية للحزب، وآليات تنفيذ نزع السلاح، والأهم من ذلك، هل ستنسحب تركيا فعلاً من الأراضي العراقية؟
القرار الذي صدر في بيان رسمي للحزب، تضمّن وقف العمليات العسكرية في تركيا والعراق وسوريا، كاستجابة لدعوة زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان، مع تأكيد التنسيق مع الأطراف المعنية لضمان تنفيذ الحل، ومع ذلك، يبقى التنفيذ محفوفًا بالتعقيد، وسط ترسانة سلاح ضخمة، وتداخل إقليمي معقّد.
وبحسب ما أفاد به مسؤول أمني عراقي، فإن عملية تسليم الأسلحة ستتم بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، عبر نقاط محددة يُتفق عليها مع الجانب التركي.
وبيّن أن الاستخبارات التركية ستضطلع بالجوانب الفنية، بالتعاون مع قوات البيشمركة والقيادات الأمنية العراقية، بالنظر إلى امتلاك أنقرة معلومات دقيقة عن مواقع التخزين والأسلحة التي يديرها الحزب شمال البلاد.
وتشير التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن أربعة آلاف عنصر تابع للحزب داخل العراق، بينهم أكثر من مئة قيادي، حيث يُتوقع مغادرة بعضهم إلى دول أخرى ضمن تفاهمات دولية جارٍ العمل عليها.
ورغم هذه التفاهمات، يرى خبراء أن انسحاب تركيا من الأراضي العراقية يبدو بعيد المنال، إذ أن أنقرة تملك اليوم أكثر من 80 قاعدة عسكرية موزعة بين دهوك وإربيل ونينوى، بعضها يمتد حتى 40 كيلومتراً داخل العمق العراقي، وتضم آلاف الجنود، ومدرعات، ومدفعية، إضافة إلى قواعد للطائرات المسيّرة والمروحيات.
ويعتبر مراقبون هذا التمركز العسكري وسيلة ضغط استراتيجية في سياق الصراع الإقليمي مع إيران، كما أنه مرتبط بحماية مشروع “طريق التنمية” الذي تعوّل عليه تركيا في توسيع نفوذها التجاري جنوباً نحو الخليج.
تحديات تواجه القرار
وأكد الخبير الأمني سيف رعد، أن “إعلان حل الحزب لا يعني بالضرورة نهاية الصراع باعتبار أن بعض القيادات الميدانية مثل مراد كارا ييلان وجميل بايك قد ترفض القرار وتعيد هيكلة الفصائل تحت مسميات جديدة، ما يطيل أمد التحدي الأمني في العراق وسوريا”.
وأوضح في حديثه لـ”عراق أوبزيرفر” أن “إيران بدورها قد لا تتعاون في هذا المسار، كونها استخدمت الحزب طيلة السنوات الماضية كورقة ضغط ضد تركيا والولايات المتحدة، محذرًا من أن صراع النفوذ في شمال العراق مرشح للتصعيد بدل التهدئة”.
ويبدو أن الحديث عن إنهاء تواجد حزب العمال قد فُتح على إيقاع حسابات أوسع من ملف النزاع نفسه، إذ أن ترسانة الحزب التي تمتد من جبال قنديل إلى سنجار، وتضم مزيجاً من البنادق الهجومية، وقذائف الهاون، والصواريخ المضادة للدروع، فضلاً عن طائرات مسيّرة ومنظومات دفاع جوي خفيفة، لا تزال موضع قلق بالغ.
وفي هذا السياق، شدد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، على أن بغداد ترحب بقرار حزب العمال الكردستاني، وقد أجرت نقاشات معمقة مع أنقرة لضمان تنفيذه، مؤكدًا وجود رغبة مشتركة للتعاون بين الحكومة المركزية، والإقليم، والجانب التركي في ملف نزع السلاح. لكن على الأرض، لا تزال المؤشرات تُظهر هشاشة واضحة في الواقع الأمني، ما يجعل من الانسحاب التركي الشامل مجرد وهم مؤجل، بانتظار توافقات إقليمية أكبر لم تنضج بعد.