
بغداد/ عراق أوبزيرفر
وسط الجمود الذي يخيّم على مسارات الإصلاح في العراق، تبرز الانتخابات المقبلة كحدث مفصلي تتعامل معه القوى السياسية الحاكمة بوصفه وسيلة لا غاية، وأداة لإعادة تثبيت أقدامها في السلطة، أكثر من كونه محاولة حقيقية لتغيير قواعد اللعبة السياسية أو استعادة الثقة الشعبية المفقودة منذ سنوات.
وبينما تضج القاعات السياسية بحوارات حول القوانين والترتيبات الانتخابية، فإن الحافز الحقيقي خلف هذا السباق نحو صناديق الاقتراع لا يبدو أنه يتجه لتمكين الناخب، بل في انعاش النظام السياسي ذاته، لا سيما أن التأجيل أو الفشل في تنظيم الانتخابات قد يُفتح الباب واسعًا أمام سيناريوهات أخرى أقل انضباطًا.
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي كاظم ياور أن”القوى السياسية تسابق الزمن لإجراء الانتخابات ليس حبًا بها، بل لتثبيت شرعية النظام السياسي وإعادة إنتاج الطبقة الحاكمة.”
وأضاف ياور، في تصريح لـ”عراق أوبزيرفر”، أن”اللاعب السياسي، بكل أطيافه، الشيعي والسني والكردي، يدرك أن غياب الانتخابات سيضع شرعية العملية السياسية برمّتها تحت المجهر، ويفتح الباب لتدخلات خارجية، وربما مسارات لا يمكن السيطرة عليها”.
إدارة الأزمة لا مواجهتها
ورغم كثافة الحديث عن الإصلاح السياسي وتغيير المنظومة، فإن المقاربة الراهنة تبدو أقرب إلى إدارة الأزمة لا تفكيكها، إذ تسعى القوى الفاعلة إلى استخدام الانتخابات كـ”صك شرعي” جديد يبرر استمرارها في الحكم، ويمنع أي جهة داخلية أو خارجية من الطعن ببقاء النظام القائم، وهو ما يثير تساؤلات عن طبيعة هذا الاستحقاق القادم، وهل هو بالفعل فرصة للتجديد أم مجرد تمويه آخر على الجمود الراهن.
وباتت الخشية من التدخلات الإقليمية والدولية حاضرة بقوة في المشهد العراقي، إذ بات من المعروف أن الفضاء السياسي مفتوح أمام صراعات نفوذ تتجاوز حدوده، لذلك تسعى الأحزاب إلى إنتاج مشهد ديمقراطي شكلي يُغلّف بآليات دستورية، لكنها تخفي في جوهرها رغبة عميقة بالحفاظ على موازين القوى الحالية.
لكن في الجهة المقابلة، فإن الشارع العراقي لا يبدو مشغولًا بالموعد الانتخابي كما كانت الحال في الماضي، فحالة اللامبالاة، وربما الرفض، تتنامى بفعل الإحباط من دور الصناديق في إحداث التغيير الحقيقي، خاصة بعد ما أعقب احتجاجات تشرين والانتخابات السابقة من خيبات.
في الوقت ذاته، فإن التفاهمات بين القوى السياسية لا تزال هشة ومتحركة، خاصة في ظل إجماع نهائي على شكل القانون الانتخابي أو آليات التمثيل، كما أن التصعيد الإعلامي بين بعض الأطراف يكشف وجود صراع خفي حول من يحق له قيادة المرحلة المقبلة، وبالتالي فإن الانتخابات قد لا تكون فقط وسيلة لحماية الشرعية، بل أيضًا ساحة معركة لإعادة ترتيب الطبقة السياسية على نحو جديد، مع الحفاظ على ذات الجوهر.