
بغداد / عراق اوبزيرفر
في أحد أحياء بغداد القديمة، حيث الأزقة الضيقة تعبق برائحة الخبز الطازج والتوابل، كانت أم علي تقف في مطبخها الصغير، تقلب المرق برفق وتتفقد صينية الإفطار التي ستُرسلها إلى جارتها أم حسن. كان هذا الطقس من أقدم العادات التي لا تتغير مهما تبدلت الأزمنة؛ تبادل صواني الطعام بين العائلات العراقية خلال رمضان.
في كل بيت، كانت الأيادي تعمل بجد قبل المغرب. أم حسن تُعد الدولمة، وتعلم أن أم علي تعشقها، بينما في بيت آخر، كانت أم مصطفى تجهز “شوربة العدس” مع قطع الخبز المقلي، وتضعها بعناية في صينية ستصل إلى بيت أم علي قبل الأذان بلحظات.
عندما اقترب موعد الإفطار، بدأ الأطفال يخرجون إلى الأزقة حاملين الصواني المغطاة بقطع قماش مطرزة، يتنقلون بين البيوت بسرعة وحماس. أحمد، ابن أم علي، طرق باب جارتهم وقدم الصينية بابتسامة، ليعود بعد لحظات حاملاً صينية أخرى فيها الـ”الكبسة” العراقية مع الخبز الحار، هدية من أم حسن.
لم يكن الأمر مجرد تبادلٍ للطعام، بل كان رابطًا إنسانيًا يُعمّق المحبة بين العائلات، ويجعل من رمضان شهرًا مليئًا بالدفء والكرم. كانت الصواني تعود إلى أصحابها بعد يومين أو ثلاثة، لكن ليس فارغة أبدًا؛ فالعرف يقول إن الصينية يجب أن تعود محملة بشيء آخر، حتى لو كان بسيطًا، لأن الخير في رمضان لا ينتهي بل يتجدد.
وهكذا، تحت أضواء الفوانيس الرمضانية، وفي زحمة الأطباق التي تعبر الأبواب قبل الأذان، كانت البيوت العراقية تتحد بروح واحدة، تعيد إحياء تقاليد الأجداد، وتثبت أن رمضان ليس فقط صيامًا، بل هو أيضًا محبة، وتواصل، وكرم لا حدود له.