تحليلاتخاصسياسي

تضخم وتشظٍ سياسي.. ماذا تكشف زحمة الأحزاب في العراق؟

بغداد/ عراق أوبزيرفر

تسجّل الساحة السياسية في العراق ارتفاعًا غير مسبوق في عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية، لكنها في ذات الوقت تثير تساؤلات جوهرية عن جدوى هذا التزايد ومدى تأثيره على النظام الديمقراطي وتمثيل الإرادة الشعبية.

ووصل عدد الأحزاب المسجلة رسميًا لدى دائرة شؤون الأحزاب في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى أكثر من 300 حزب حتى منتصف عام 2025، في وقت لا تشارك فيه فعليًا في الانتخابات سوى عشرات محدودة منها، بينما تبقى أخرى دون نشاط أو برامج سياسية واضحة.

ويتسبب هذا التضخم الحزبي في تشويش المشهد الانتخابي، ويؤدي إلى تشتت أصوات الناخبين، كما يعقّد عملية تشكيل التحالفات البرلمانية المستقرة، ويمنح المجال لقوى صغيرة أو غير رصينة للتأثير على القرار السياسي عبر المقاعد المتناثرة أو التحالفات الطارئة.

مؤشر سلبي

ويرتبط تنامي عدد الأحزاب بعوامل متعددة، من بينها سهولة شروط التسجيل القانونية، وغياب آليات فرز واقعية تُميز بين القوى الفاعلة والكيانات الورقية، فضلًا عن استخدام بعض الأحزاب كواجهات سياسية لمصالح تجارية أو أجندات خارجية.
بدوره، أوضح الباحث السياسي صباح العكيلي أن “وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب في العراق لا يُعد مؤشرًا إيجابيًا دائمًا، بل قد يمثل مشكلة حقيقية في العملية الديمقراطية”.

وأضاف لـ”عراق أوبزيرفر” أن “عدد الأحزاب وصل إلى ثلاثمئة، وهذا يفرض علينا مراجعة دقيقة لجدوى مشاركتها في الحياة السياسية، لأن الديمقراطيات الرصينة في العالم لا تضم هذا الكم من الأحزاب، بل تقتصر على عشرة أو أقل، كما هو الحال في أوروبا، أو حزبين كما في الولايات المتحدة”.

وبيّن العكيلي أن “التعدد في ذاته ليس مشكلة، بل المشكلة في غياب تأثير هذه الأحزاب على الواقع وعدم امتلاكها قواعد شعبية واضحة، ما يفتح الباب أمام تدخلات خارجية تحت غطاء دعم سياسي أو مالي”، داعيًا إلى “تعديل قانون الأحزاب وتطبيقه بصرامة، حتى لا يبقى الباب مفتوحًا أمام تأسيس أحزاب دون ضوابط، لأن هذا يُفرغ العملية السياسية من محتواها الحقيقي، ويجعل المشهد مشوشًا وغير قابل للفرز”.

تفكك البنية السياسية

وتمثل ظاهرة تضخم عدد الأحزاب في العراق انعكاسًا لتفكك البنية السياسية وفقدان الثقة بالأطر الحزبية التقليدية، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن خلل بنيوي في النظام الانتخابي وآليات تمثيل المواطنين، فبدلًا من أن تكون الكثرة مدخلًا للتنوع السياسي، تحوّلت إلى وسيلة لتفتيت الصوت العام، ما أدى إلى برلمانات غير مستقرة وتحالفات هشة.

ويفرض هذا التمدد الحزبي أعباءً إضافية على الناخب الذي يجد نفسه أمام عشرات الشعارات والبرامج غير المترابطة، دون أن يتمكن من التمييز بين الجاد والزائف، ومع غياب المراجعة الفعلية لأداء الأحزاب، تتكرس حالة من العزوف الشعبي، إذ يشعر المواطن أن صوته قد يذهب لكيان غير مؤثر أو غير موجود فعليًا على الأرض.

ويُنتج هذا التراكم أيضًا حالة من “الفوضى المؤسسية”، حيث تتراجع قدرة الدولة على ضبط التمويل السياسي، وتتسع ثغرات النفوذ الخارجي من خلال قنوات دعم غير معلنة لبعض الأحزاب، ومع كل دورة انتخابية، تدخل كيانات جديدة السوق السياسية بلا رصيد اجتماعي، لكنها تمتلك أدوات دعاية مدعومة خارجيًا أو بتمويل مجهول، ما يُضعف مبدأ تكافؤ الفرص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
document.addEventListener("DOMContentLoaded", function() { if (document.querySelector("nojq")) { document.querySelector("nojq").addEventListener("click", function() { console.log("Element clicked!"); }); } });