
بغداد/ عراق أوبزيرفر
تدل المعطيات السياسية المتسارعة على أن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تكون كسابقاتها، ليس فقط بسبب طبيعة التحديات، بل لأن أحد أبرز أركان المعادلة السياسية قرر الانسحاب منها بالكامل.
وأعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بوضوح أنه لن يشارك في “أي عملية انتخابية عرجاء”، موجّهًا دعوة مركّبة لأنصاره: حدّثوا بطاقاتكم، لكن لا تصوّتوا.
هذا التحوّل في موقف الصدر لم يأتِ من فراغ، بل تراكم على امتداد أكثر من عامين، منذ قرر التيار الانسحاب من البرلمان في تموز 2022 بعد فشل مشروع حكومة “الأغلبية الوطنية”، ذلك الانسحاب كان الخطوة الأولى في فك الارتباط مع النظام السياسي القائم، لكنه لم يكن نهاية الدور، بل بداية فصل جديد من الاشتباك مع بنية الحكم من خارجها.
لكن المقاطعة اليوم تختلف في مضمونها، فهي ليست عزوفًا سلبيًا عن صناديق الاقتراع، بل تحرك نشط، يبدأ بتحديث البيانات وينتهي برفض التصويت، وكأن التيار يريد أن يسجل عدد المقاطعين بدقة، ليثبت رقميًا أنهم الأغلبية، وأن الانتخابات، حتى لو مضت، ستكون ناقصة الشرعية.
وهذه ليست فقط رسالة داخلية، بل أيضًا خارجية، تقول إن النظام الحالي عاجز عن استعادة الثقة، وإن الشعب بات أوسع من صناديق تدار بالتوافق والمحاصصة.
مأزق الحكومة المقبلة
ويرى رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية، مناف الموسوي، أن “زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان قد اشترط قبل تشكيل الحكومة الحالية القيام بـ(إزاحة جيلية) لكل من شارك في العملية السياسية منذ عام 2003 وحتى اليوم، كمدخل أساسي لإطلاق مشروع إصلاحي جديد في البلاد”.
وقال الموسوي لـ”عراق أوبزيرفر” إن “الصدر، حينما طُلب منه الحضور إلى طاولات الحوار، وضع شرطاً واضحاً يتمثل بإبعاد الطبقة السياسية الحالية بالكامل من العمل التنفيذي، وإفساح المجال أمام جيل جديد من الكفاءات والأكاديميين والخبراء لقيادة المرحلة المقبلة”.
وأشار إلى أن “هذا الجيل الجديد، بحسب رؤية الصدر، لن يكون خاضعاً للضغوط الخارجية، ولا يُحمّل مسؤولية الفساد الذي شهده العراق في العقدين الماضيين “لافتاً إلى أن “الفساد في العراق لم يعد مجرد حالات فردية، بل بات جزءاً من البنية المؤسساتية والمجتمعية، وأصبح يشكل عرفاً سائداً”.
وأضاف أن “الصدر لم يرفض الانتخابات بحد ذاتها، بل رفض الاشتراك مع من وصفهم بـ(الفاسدين) حيث أن عودة التيار الصدري أو الأغلبية الصامتة إلى المشهد الانتخابي مرهونة بمدى استعداد القوى السياسية الحالية لإجراء عملية تغيير شاملة”.
والمفارقة – وفق مراقبين – أن التيار، رغم ابتعاده عن البرلمان، لا يزال حاضراً في حسابات الجميع، فغيابه أربك معسكر الإطار، فهو، وإن لم يشارك، لا يزال الرقم الأصعب، وصوته في الشارع يتجاوز قوة المقاعد تحت قبة المجلس.
والقلق الذي تثيره هذه المقاطعة لا يتوقف عند الإطار التنسيقي، بل يمتد إلى بنية النظام كله، إذ يُتوقع أن تؤثر على نسب المشاركة بشكل كبير، ما يفتح باب الطعن في شرعية الانتخابات المقبلة، ويضع الحكومة القادمة – أيّاً كان شكلها – في مواجهة أزمة تمثيل ستعصف بها منذ يومها الأول.