
بغداد /عراق أوبزيرفر
فتحت قضية اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله بين العراق والكويت فصلًا جديدًا من النزاع القضائي، بعد أن قررت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في البلاد، تأجيل البت في دعويين مقدمتين من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبداللطيف جمال رشيد، للطعن بقرار سابق للمحكمة نفسها يقضي بعدم دستورية الاتفاقية، وهي الخطوة التي فجرت أزمة دبلوماسية بين بغداد والكويت، ووضعت علامات استفهام كبيرة حول خلفيات الاتفاقية وتداعياتها السيادية.
وبحسب مصادر قضائية، فقد تم تأجيل البت في الدعويين المقدمتين من رئيسي الحكومة والجمهورية إلى نهاية الشهر الجاري، وسط توقعات بأن القضية قد تدخل في متاهة التأجيلات، ما يعكس التعقيد القانوني والسياسي المرتبط بها.
وقال الخبير القانوني محمد أزهر إن “العراق بموجب توقيعه ومصادقته على الاتفاقية آنذاك، قد تنازل بشكل رسمي عن جزء من سيادته البحرية، فالأتفاقية اعتمدت مسارًا للممر الملاحي يتماشى مع المطالب الكويتية، وجرّدت العراق من حرية اتخاذ أي قرار انفرادي بشأن التطوير أو التوسعة في الخور، بل جعلت أي نشاط فيه خاضعًا لموافقة الطرفين، مما يقيّد سيادة العراق على حدوده ومصالحه الاقتصادية”.
وأكد أزهر في حديثه لـ”عراق أوبزيرفر” أن الاتفاقية تضمنت مخالفات للدستور العراقي ولنظام التصويت البرلماني”، معتبرًا أن “الدعوى التي قُدمت أمام المحكمة في وقت لاحق واستندت إلى هذه النقاط، كانت ضرورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحقوق العراقية”.
وكانت المحكمة الاتحادية قد أصدرت حكمًا في 4 أيلول/سبتمبر 2023 يقضي بعدم دستورية قانون رقم (42) لسنة 2013، المتعلق بالمصادقة على الاتفاقية بين العراق والكويت بشأن تنظيم الملاحة في خور عبد الله، معتبرة أن نص القانون يتعارض مع الدستور العراقي، ويخالف الواقع الجغرافي والتاريخي للممر الملاحي. القرار أثار أزمة حادة بين الجانبين، دفعت الكويت إلى الاحتجاج الرسمي، ووصفت الحكم بأنه يتضمن “مغالطات تاريخية”.
مبدأ حسن الجوار
وأوضح رئيس الجمهورية في دعواه، بحسب مصادر كويتية، أن “الاتفاقية تستند إلى مبدأ حسن الجوار والالتزامات الدولية”، مشيرًا إلى المادة الثامنة من الدستور التي تُلزم العراق بحل النزاعات بالوسائل السلمية واحترام السيادة المتبادلة، وهو ما شدد عليه أيضًا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي رأى أن “إلغاء الاتفاقية يمس بالمادة الدستورية ويهدد مبادئ حسن الجوار”.
لكن في المقابل، يشير خبراء إلى أن المشكلة ليست فقط في الإلغاء، بل في أصل الاتفاقية، وكيفية تمريرها، إذ أن الممر الملاحي المحدد في الاتفاقية يخالف الحقوق التاريخية للعراق، ويؤدي إلى أضرار جسيمة تمس السيادة ومصالح البلاد في مياهها الإقليمية.
ويُعد خور عبد الله من الملفات المعقدة في قضية ترسيم الحدود البحرية، إذ يمتد هذا الممر الضيق لنحو 60 كيلومترًا، ويفصل بين البلدين في نقطة شديدة الحساسية جيوسياسيًا واقتصاديًا، ما يجعل أي اتفاق بشأنه محط تدقيق وتشكيك من مختلف الأطراف العراقية، خصوصًا بعد مخلفات غزو الكويت عام 1990، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.