
بغداد / عراق اوبزيرفر
في الأول من أيار من كل عام، تحتفل دول العالم بـ”عيد العمال”، مناسبة لتكريم السواعد التي تبني وتعمر وتُحرك عجلة الاقتصاد. وفي حين تنعم جموع الموظفين في القطاع العام العراقي بعطلة رسمية، ينهض ملايين العمال فجراً كعادتهم، يحملون عتادهم، يركبون دراجاتهم الهوائية أو يتدافعون في سيارات النقل الجماعي، ليبلغوا أماكن عملهم التي لا تعرف العطلات، ولا تحتفل بهم حتى في يومهم.
في هذا اليوم، تبدو المفارقة صارخة في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى. الدوائر الحكومية مغلقة، المدارس خاوية، أما الورش والمصانع ومحال البناء وأرصفة الشقاء، فتمتلئ بالحركة والعرق والضجيج. فالعامل، رغم أن العيد يُفترض أن يكون له، إلا أنه لا يملك ترف التوقف. فهو يُرزق باليومية، ويطارد لقمته في كل ساعة. الإجازة عنده لا تعني الراحة، بل تعني الجوع.
يقول “أبو مصطفى”، عامل بناء في حي جميلة شرقي بغداد: “إذا أعطّلت اليوم، آني وعيالي ما ناكل. العيد للموظفين، مو للفقرة مثلنا. نشتغل حتى نعيش، مو لأن إحنا نحب التعب، بس لأن ما عدنا غيره.”
الكلمات تخرج من فمه ممتزجة بالغبار والعرق. يحمل معوله ويواصل الحفر، وكأن لا يوم عالمي ولا احتفال. هو وآلاف مثله لم يُمنحوا شيئًا من رمزية هذا اليوم، لا مكافآت، لا فعاليات، ولا حتى وقفات تضامنية.
القطاع العام في العراق يعيش بمعايير مختلفة تمامًا: الموظف يحصل على راتب شهري ثابت، تأمين صحي، إجازات مدفوعة، تقاعد مضمون. أما العامل، فـ”رزقه على الله”، كما يُقال. لا شيء مضمون. اليوم يعمل، غدًا قد لا يجد عملاً. ومع ذلك، فلا صوت له.
“عيد بلا عطلة” هي الجملة التي تلخص حال العمال في العراق. ففي حين تُزين بعض الشاشات تقارير احتفالية باهتة، وتغرد الوزارات بكلمات رنانة عن “أهمية العمل وكرامة العامل”، تستمر الفجوة الكبيرة بين الشعارات والواقع.
منذ سنوات، تنادي النقابات العمالية في العراق بضرورة إنصاف هذه الشريحة، وخصوصًا العاملين في القطاع غير المنظم. لكن الاستجابة الرسمية تبقى خجولة، إن لم نقل معدومة. فلا سياسات واضحة لحمايتهم، ولا تشريعات جديدة تنقذهم من الفقر والتهميش.
ويُذكر أن أكثر من 60% من العمال العراقيين يعملون خارج إطار الدولة الرسمية، أي في أعمال حرة، بلا عقود، ولا ضمانات. بعضهم يعمل في البناء، آخرون في المعامل، الأسواق، الحمالة، أو حتى تنظيف الشوارع. جميعهم يساهمون في عجلة الاقتصاد، لكنهم الأقل حظًا في نيل الحقوق.
وفي المقابل، يعيش الموظف الحكومي – حتى لو كان عمله شكليًا – في وضع مستقر نسبيًا. وفي هذا اليوم، يخلد للراحة، ينشر صورة على “فيسبوك” مع تعليق مثل: “كل عام وعمالنا بخير”، بينما العامل الذي يقصده، قد لا يملك حتى هاتفًا ذكيًا ليقرأه.
وبينما تستمر الحكومات في التغني ببرامج “دعم الطبقة العاملة”، يبقى العامل العراقي يُكافأ على عطائه بالإهمال. لا نقابات قوية تحميه، ولا مظلات قانونية تنصفه، ولا دولة تحتفي به كما يجب.