
بغداد/ عراق أوبزيرفر
لم تعد الكفالة الوظيفية في العراق مجرد إجراء مالي لضمان السداد، بل تحوّلت في حالات كثيرة إلى “أداة انتقام عائلي أو عشائري” تُستخدم لتصفية الحسابات، خصوصاً في ظل غياب الضمانات القانونية لكلا الطرفين، وضعف الإجراءات الرقابية على المصارف وجهات الإقراض.
حسين الساعدي (44 عاماً)، وهو موظف حكومي في دائرة ماء النجف، قال إنه “تحوّل إلى مدين غارق بعدما كفل قريباً له في قرض زراعي بقيمة 15 مليون دينار، لكنه امتنع لاحقاً عن الدفع متعمداً بعد خلاف عائلي”.
وأضاف لـ”عراق أوبزيرفر” أن “المقترض ترك المحافظة وانتقلت المطالبة المالية إليّ أنا، وتم الحجز على راتبي وتوقيفي في مركز الشرطة رغم أنني لم أستفد من القرض فلساً واحداً”.
ويُعد نظام الكفالة أحد الركائز الأساسية في قروض الموظفين أو السلف الحكومية، حيث تشترط معظم المصارف وجود “كفيل ضامن” يحمل صفة الموظف الدائم، وتحمله المسؤولية الكاملة في حال تخلف المقترض عن السداد.
آلية خاطئة
بدورها، أكدت الخبيرة القانونية زينب الساعدي أن “النظام الحالي المعتمد في المصارف العراقية بشأن الكفالة في القروض بات قديمًا ولا يُواكب متطلبات الواقع القانوني والاجتماعي، “مشيرة إلى أن “الإشكال ليس في قانون الكفالة نفسه، بل في آلية منح القروض وتعليماتها المعتمدة داخل المصارف”.
وقالت الساعدي لـ”عراق أوبزيرفر” إن “قانون الكفالة واضح وثابت، إذ يُحمّل الكفيل المسؤولية إذا أخلّ المكفول بالتزاماته، ويُلاحق بدعوى دين قد تُخصم من راتبه مباشرة”، مؤكدة أن “هذا النظام خلق مشكلات اجتماعية وقانونية متكررة طالت شريحة واسعة من المواطنين”.
ودعت الساعدي إلى “إعادة النظر بتعليمات الإقراض نفسها، مقترحة أن يكون منح القرض مشروطًا بتقديم سند عقاري أو رهن عقار، بحيث يكون العقار نفسه هو الضمان بدلاً من الكفلاء، ويبقى محجوزًا لحين سداد المبلغ، ما يوفّر حماية قانونية أكبر للطرفين ويخفف الأعباء عن الموظفين والكفلاء على حد سواء”.
ولا توجد إحصائية رسمية بعدد الكفلاء الذين تم احتجازهم أو مقاضاتهم بسبب تخلف المقترضين، لكن تقديرات تذهب إلى أن الظاهرة آخذة بالاتساع، خصوصاً مع السلف الإلكترونية، حيث تُمنح القروض خلال ساعات من خلال تطبيقات، من دون تحقيق ميداني أو ضمانات واقعية”.
وفي إحدى الحالات التي وثقها “عراق أوبزيرفر”، اضطر موظف في تربية الديوانية إلى بيع قطعة أرضه لسداد دين لم يستفد منه، بعد أن كفل صديقاً له في سلفة بناء، تبين لاحقاً أنه متورط في قضايا مالية.
وتطالب أصوات برلمانية بقانون جديد ينظّم العلاقة بين الكفيل والمقترض ويمنع إساءة استخدام الكفالة، خصوصاً في الدوائر الحكومية.
كما يُقترح إنشاء “صندوق ضمان مالي” خاص بالمقترضين المتعثرين من الموظفين، بتمويل حكومي جزئي، أسوة بتجارب دولية مشابهة.