
بغداد / عراق أوبزيرفر
بين توتر إقليمي وتحولات دبلوماسية، يجد العراق نفسه في قلب مفاوضات غير مباشرة تدور بين الولايات المتحدة وإيران، تحمل في طياتها احتمالات كبرى لتغيير المعادلة الاقتصادية في بغداد.
ورغم أن طاولة المفاوضات تتركز على البرنامج النووي الإيراني وملفات أمنية متشابكة، إلا أن أعين الحكومة العراقية تبقى شاخصة نحو الاقتصاد، حيث قد تمثل نتائج هذه المحادثات بوابة لإعادة ضبط العلاقات المالية والتجارية مع طهران، وإنعاش قطاعات تعاني منذ سنوات بسبب العقوبات والقيود الدولية، وفي مقدمتها ملف الطاقة.
ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتغذية أكثر من 30% من منظومته الكهربائية، خاصة خلال شهري تموز وآب، حين يتجاوز الطلب على الطاقة 25 ألف ميغاواط يوميًا، فيما لا تنتج البلاد سوى ما بين 17 إلى 19 ألف ميغاواط.
وهذا الاعتماد الكبير يجعل من أي اتفاق بين واشنطن وطهران فرصة ذهبية لبغداد لتجاوز الأزمة السنوية المرتبطة بانقطاعات التيار الكهربائي، والتي تكلّف خزينة الدولة سنويًا أكثر من 4 مليارات دولار في استيراد وقود بديل وتغطية الأعطال الطارئة.
ويترقب مختصون أن يُحدث النجاح في هذه المفاوضات تحولات حاسمة في السياسة النقدية والتجارية للعراق، أبرزها تراجع الحاجة إلى السوق الموازي للعملة، والذي يشكل منذ أشهر ضغطاً كبيراً على الدينار العراقي.
خطوة إيجابية
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش أن “المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران تمثل خطوة إيجابية تصب في مصلحة العراق، لما تحمله من انعكاسات محتملة على استقرار السوق المالية المحلية وسعر صرف الدولار، في حال تراجعت الضغوط الأمريكية على طهران”.
وقال حنتوش في تصريح لـ”عراق أوبزيرفر”، إن “العراق لا يزال يواجه تحديات كبيرة في تحييد نظامه المصرفي عن التعاملات مع إيران”، مشيراً إلى أن “القرب الجغرافي والاعتماد الكبير على الواردات الإيرانية، التي تُقدّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، إلى جانب الحاجة المستمرة للغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، خصوصاً خلال أشهر الصيف، تجعل من الصعب الانفكاك التام عن طهران في الوقت الراهن”.
وأضاف أن “العراق يفتقر إلى آلية رسمية واضحة لإدارة التبادل التجاري مع إيران، سواء عبر التحويلات المالية المباشرة أو من خلال أدوات بديلة مثل الدفع بالذهب أو المقايضة بالسلع، وهو ما يضطر السوق المحلية إلى اللجوء لقنوات غير رسمية تُعرف بـ(السوق الموازي)، ما يشكل ضغطاً مستمراً على سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار”.
وأوضح حنتوش أن “أي تخفيف محتمل للعقوبات أو الضغوط الأمريكية سيفتح الباب أمام العراق للحصول على استثناءات تتيح له استخدام المنصات المصرفية الرسمية، ما قد يسهم في تقليل الاعتماد على السوق الموازية ويدعم استقرار العملة”.
لكن في حال فشل هذه المفاوضات، أو اتجهت إلى مزيد من التصعيد، فإن العراق سيكون الخاسر الأكبر، اقتصادياً وأمنياً، خاصة وأن الفصائل المسلحة التي ترفض التواجد الأميركي تلوّح دائماً بالتصعيد العسكري، بينما تخضع الصادرات النفطية العراقية لمنظومة التحويل المالي الدولية التي تشرف عليها وزارة الخزانة الأميركية، ما يجعل أي توتر ينعكس فورًا على قدرة الحكومة على التصرف بإيراداتها أو شراء احتياجاتها الأساسية.