
متابعة/ عراق اوبزيرفر
يرى مراقبون ان “إسرائيل” ما بعد السابع من أكتوبر 2023 ليست كما قبله قطعاً، وكذلك غزة والمنطقة برمتها، هكذا تقول المؤشرات بعد مرور 41 يوماً على عملية “طوفان الأقصى”، التي صدمت الاحتلال وأربكت حساباته وأدخلته في دوامة من الخسائر في كل المجالات.
على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي خسرت “إسرائيل”، خلال الأسابيع الماضية، فضلاً عن انكسار صورة جيشها الذي لطالما روجت أنه لا يقهر، وأمنها وتماسكها الداخلي.
وعلى الصعيد العالمي والدولي، لم يسبق أن أصبحت “إسرائيل” في موقف ضعيف كما هي عليه اليوم، وهذا يثبت انهيار سرديتها في مقابل تفوق السردية الفلسطينية، التي تزداد شعبية يوماً بعد آخر على مستوى العالم.
انكسار الصورة
باعتراف قادة دولة الاحتلال، كانت عملية “طوفان الأقصى” مفاجئة وصادمة، ولم تكن بحساباتهم، ففي غضون ساعات معدودة، نجحت كتائب القسام في القضاء على “فرقة غزة” العسكرية التي كانت تضم آلاف المقاتلين المدربين جيداً.
هزمت الفرقة، وقتل المئات من عناصرها على يد مقاتلي القسام، ودمرت ثكناتها، في واحدة من أكبر وقائع الفشل العسكري والاستخباري في تاريخ دولة الاحتلال.
وإلى قبل يوم واحد فقط من “طوفان الأقصى”، كانت “إسرائيل” تعتقد أن نظريتها الأمنية تجاه غزة متماسكة، وأنها نجحت في ضرب منظومة المقاومة والأنفاق، بينما تتعامل القبة الحديدية مع الصواريخ، إلا أن هجوم الفجر المباغت بدد تلك النظرية، ومعها ثقة “إسرائيل” في استراتيجياتها العسكرية والأمنية.
كما نجح الآلاف من مقاتلي القسام في اجتياز السياج الأمني، ووصلوا إلى الثكنات، بينما كان الجنود نياماً، كل هذا والعالم يشاهد هذا الفشل الأمني والعسكري غير المسبوق بعدسات المقاتلين أنفسهم.
ويبدو أن “إسرائيل” بحاجة إلى سنوات طويلة لترميم صورتها وصورة جيشها الذي فشل بعد 20 يوماً في تحقيق إنجاز ميداني في غزة، باستثناء اقتحام مستشفى الشفاء، وتسويقه كإنجاز غير مسبوق.
كلفة بشرية
ومنذ حرب أكتوبر 1973، لم يسبق أن تكبد جيش الاحتلال هذا القدر من الخسائر البشرية في صفوف مقاتليه.
ووفقاً لأحدث إحصائية رسمية، فقد بلغ عدد قتلى قوات الاحتلال، حتى ظهر الخميس 16 نوفمبر، 52 قتيلاً، بينما تجاوز عدد الجرحى 300، إصابة العشرات منهم خطيرة، وذلك منذ بداية العملية البرية.
وأكد جيش الاحتلال ارتفاع عدد قتلاه إلى 370 قتيلاً، منذ 7 أكتوبر، في حين سقط قرابة 1400 إسرائيلي قتلى منذ بداية طوفان الأقصى، إضافة إلى مئات الجرحى.
وحتى اللحظة، تكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة في الآليات داخل قطاع غزة، حيث ارتفع عدد الآليات الإسرائيلية المدمرة في غزة إلى 200 دبابة وآلية، خلال 20 يوماً، أي منذ بداية العملية البرية في 27 أكتوبر الماضي.
فشل في الأهداف
وضع الاحتلال الإسرائيلي أهدافاً لعملياته العدوانية في غزة؛ منها القضاء على “حماس”، وتدمير الأنفاق، واستعادة الأسرى، لكن حتى اللحظة لم يتحقق من ذلك شيء.
قتلت “إسرائيل” أكثر من 11 ألفاً و500 مدني، أغلبهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 29 ألف مصاب، 70% منهم من النساء والأطفال أيضاً، كما دمرت قرابة 50% من الوحدات السكنية في غزة، بينما دمرت أكثر من 42 ألف وحدة سكنية.
وحتى اللحظة لم يصل جيش الاحتلال إلى أي من أسراه، كما لم ينجح في الوصول إلى الأنفاق أو غرف العمليات التابعة للمقاومة، ولا تزال المقاومة هي من تتحكم بإيقاع المعركة، وفقاً لخبراء عسكريين.
وبعد 41 يوماً، لا تزال الصواريخ تنهمر من غزة على المستوطنات بمحيط القطاع، إضافة إلى وصول صواريخ إلى تل أبيب ومدن أخرى.
ضرب سردية الاحتلال
كانت عملية “طوفان الأقصى” بداية انهيار سردية الاحتلال الإسرائيلي التي كانت قائمة على تصوير “إسرائيل” كضحية، في محيط يعج بالأعداء والخصوم.
ومع مرور الأيام أصبحت الرواية الفلسطينية، أكثر حضوراً في الضمير العالمي، ويوماً بعد آخر اكتسبت مزيداً من الأنصار والمتعاطفين حول العالم، وفي المقدمة منهم سياسيون ومشاهير وأكاديميون وفنانون ورجال نخبة حول العالم.
التعاطف العالمي مع فلسطين تحول من القول إلى الفعل، إذ شهدت مدن العالم، من ضمن ذلك الدول الغربية، تظاهرات عارمة تستنكر جرائم “إسرائيل”، وأصبح الرأي العام الغربي منحازاً بشكل غير مسبوق ضدها، كتعبير صارخ عن سقوط وانكسار سردية الضحية التي روّجها الاحتلال طوال العقود الماضية.
وانتقل الغضب والاحتجاج من الشارع إلى أروقة مؤسسات الحكم في أوروبا وأمريكا، ولأول مرة تشهد الخارجية الأمريكية استقالات بسبب انحياز واشنطن لـ”إسرائيل”، وهنا الحديث عن المسؤول في الخارجية الأمريكية جول بوش، الذي علل استقالته بأنه “لم يعد يحتمل الصمت على تزويد إسرائيل بالأسلحة الفتاكة”.
كذلك عمت حالة من الغضب أروقة الإدارة الأمريكية، والكونغرس، ووزارة الخارجية، توج ذلك برفع 400 مسؤول سياسي أمريكي رسالة احتجاج إلى الرئيس جو بايدن، وكذلك الحال في بريطانيا وفرنسا وغيرها.
كما بات ينظر لـ”إسرائيل” كدولة فصل عنصري، وحكومة مارقة لا تكترث للقوانين الدولية، إذ قطع العديد من الدول علاقتها مع دولة الاحتلال، مثل بوليفيا ومملكة بليز، بينما قامت كولومبيا وتشيلي وهندوراس، والأردن والبحرين وتركيا وغيرها، باستدعاء سفرائهم لدى تل أبيب احتجاجاً على حرب غزة.
اهتزاز الجبهة الداخلية
هزت عملية “طوفان الأقصى” ثقة الإسرائيليين بحكومتهم وجيشهم، ودفعت الآلاف إلى اتخاذ قرار الرحيل من دولة الاحتلال، وهذا تجسد في حملة “نغادر البلاد معاً”، التي أطلقها ناشطون إسرائيليون على مواقع التواصل وحظيت بتفاعل واسع.
وأكدت وزارة الداخلية الإسرائيلية أن قرابة 230 ألف إسرائيلي غادروا منذ بداية “طوفان الأقصى”، وسط توقعات إسرائيلية بارتفاع أعداد المغادرين إذا استمرت الحرب أو توسعت إلى جبهة أخرى.
كما شهدت الأيام الماضية ارتفاع حدة السخط على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفشلها في حماية أمن “إسرائيل” وتأمين المواطنين، في حين يطالب آلاف الإسرائيليين الذين يشاركون في تظاهرات شبه يومية بضرورة محاسبة نتنياهو وإقالته من منصبه، وهو ما أكده زعيم المعارضة يائير لابيد.
وتسود حالة من الارتباك المشهد الداخلي الإسرائيلي، إذ حاول جيش الاحتلال الحد منها بإظهار حالة من التوحش في غزة، في محاولة لانتزاع أي نصر لتهدئة الجبهة الداخلية، لكن حتى اللحظة لم يحقق جيش الاحتلال نتائج ملموسة، بالرغم من محاولاته تزييف واختراع الانتصارات.
خسائر اقتصادية
أكثر من 360 ألفاً من الشباب الإسرائيليين تم استدعاؤهم للقتال في غزة إلى جانب 150 ألفاً آخرين هم قوام جيش الاحتلال، وهو ما تسبب في شلّ وتعطيل الاقتصاد، وتكبيده خسائر بالمليارات.
وتشير الإحصائيات إلى أن 20% من القوى العاملة في “إسرائيل” أصبحت عاطلة عن العمل، ما يعادل مليون عامل، إضافة إلى استنزاف كبير في الميزانية العامة، وسط توقعات بعجز غير مسبوق يتراوح بين 15 و20 مليار دولار، وهي كلفة الحرب خلال 40 يوماً.
كما تشير التقديرات الأولية الإسرائيلية أيضاً إلى أن الحرب التي تشنها تل أبيب على قطاع غزة منذ شهر من الآن قد تكلف الميزانية أكثر من 51 مليار دولار، في حين وضعت وكالتا “موديز” و”فيتش” للتصنيف الائتماني “إسرائيل” تحت المراجعة، ترقباً لاحتمالية خفض تصنيفها الائتماني، بسبب تبعات الحرب.
وإضافة إلى تعطل الحياة الاقتصادية بشكل كامل في المستوطنات على الحدود مع غزة ولبنان، تشير الإحصائيات إلى أن قرابة 250 ألفاً إلى 500 ألف شخص غادروا تلك المستوطنات وانتقلوا إلى داخل الأراضي المحتلة.