
عراق أوبزيرفر/ بغداد
شهدت الانتخابات في العراق على المستويين البرلماني والمحلي خلال السنوات التي أعقبت عام 2003 نسب مشاركة مرتفعة، حيث تميزت انتخابات عامي 2005 و2010 بإقبال جماهيري واسع رغم التحديات الأمنية والسياسية التي كانت تواجه البلاد آنذاك، لكن هذه النسب أخذت في التراجع التدريجي خلال العمليات الانتخابية اللاحقة، ما يعكس تغيرات في المزاج السياسي العام وفقدان الثقة التدريجي بالعملية الديمقراطية.
وعند مراجعة نسب المشاركة في الانتخابات العراقية خلال الدورات السابقة، يتضح أن انتخابات عام 2010 البرلمانية سجلت أعلى نسبة مشاركة، حيث تجاوزت 62% من إجمالي الناخبين المؤهلين، ما مثل حينها اهتماماً شعبياً كبيراً بالمشاركة السياسية.
إلا أن انتخابات عام 2014 شهدت انخفاضًا في نسبة المشاركة التي بلغت رسميًا نحو 47%، فيما أكد مراقبون ومنظمات رصد انتخابية أن النسبة الحقيقية لم تتجاوز 30%، مما أثار شكوكًا حول مدى تفاعل الناخبين مع الاستحقاق الانتخابي في ذلك العام.
أما انتخابات 2018، فقد أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية أن نسبة المشاركة بلغت 44%، إلا أن تقارير صادرة عن جهات رقابية مستقلة أشارت إلى أن النسبة الفعلية لم تتجاوز 32%، ما أكد استمرار تراجع الإقبال الشعبي على التصويت.
وجاءت انتخابات 2021 البرلمانية لتسجل أدنى نسبة مشاركة منذ عام 2005، إذ بلغت نسبة المقترعين، وفق المفوضية، 41%، ما كشف عن تصاعد العزوف الانتخابي بصورة غير مسبوقة.
وفي أحدث استحقاق انتخابي، المتمثل في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت عام 2023، بدت الأزمة أكثر وضوحًا، حيث أظهرت تقارير رقابية أن نسبة العزوف بلغت نحو 79%، فيما لم تتجاوز نسبة المشاركة 21%، ما مثل مؤشراً خطيراً على تنامي حالة الإحباط الشعبي من العملية السياسية.
واعتبر سياسيون مستقلون أن هذا العزوف يمثل موقفًا سياسياً واضحًا من النظام القائم، تعبيرًا عن رفض الناخبين لما يعتبرونه فشلًا في تلبية تطلعاتهم.
لا تغيير متوقع
بدوره، قال المحلل السياسي هاشم الجبوري إن “الانتخابات القادمة لن تكون أفضل حالاً مما سبقها، إذ أن التراجع في الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي واضح، مع استمرار سوء الخدمات وسوء إدارة الدولة على المستويين الاقتصادي والسياسي. ”
وأوضح الجبوري لـ”عراق أوبزيرفر” أن “المواطن بات يعتقد أن الانتخابات مجرد مسألة شكلية، خاصة بعد كل عملية انتخابية نشهد الصراعات السياسية والتوافقات التي تخضع لمخاض عسير وترسخ نظام المحاصصة، وهو النهج الذي ينخر في جسد الدولة العراقية منذ 2003 وحتى اليوم، مما أفقد الشارع الثقة تماماً بهذه العملية”.
وأشار إلى أن “المرجعية الدينية سبق وأن نوهت في 2019، خلال احتجاجات تشرين، بضرورة إصلاح الطبقة السياسية، محذرة من أن عدم الإصلاح سيؤدي إلى عواقب وخيمة وسخط شعبي متزايد، وهو ما نشهده اليوم، إذ لا يلمس المواطن أي تغيير في الخدمات، فلا توجد مستشفيات تلبي احتياجاته الصحية، ولا موارد اقتصادية فاعلة، فيما يبقى الاقتصاد العراقي في حالة شلل، مما يدفع المواطن إلى البحث عن التعيينات الحكومية التي تكاد تكون متوقفة تماماً”.
ويرى مراقبون أن معالجة هذا التراجع في نسب المشاركة لا يمكن أن تتم عبر وسائل قسرية مثل فرض عقوبات قانونية على الممتنعين عن التصويت، ولا من خلال تقديم حوافز مالية للناخبين كما تم اقتراحه في بعض التعديلات التشريعية، بل عبر تبني برامج انتخابية واقعية وقابلة للتنفيذ تستجيب لتطلعات المواطنين وتعيد بناء الثقة بين الناخب والعملية السياسية.