عربي ودولي

هذا ما يدور في رأس بوتين.. فماذا سيحدث قبل رأس السنة؟

موسكو / عراق أوبزيرفر

كثيرا ما يبخل علينا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكثير من التفاصيل بشأن خططه. لكن التجربة تعلمنا أن كل ما يحدث تقريبا، كان بوتين قد كشف عنه من قبل في بعض خطبه، وربما في مناسبة مختلفة، ما يجعل من الممكن، إلى حد ما، تكوين فكرة مناسبة عن الخط الاستراتيجي، الذي يحدد، من بين أمور أخرى، الأهداف المباشرة.

لقد قاوم بوتين لسنوات الحاجة التاريخية لمعاملة أوكرانيا الحالية كعدو، لأن الشعب الأوكراني، بالنسبة لجميع الروس، بما في ذلك بالنسبة للرئيس الروسي، شعب شقيق.

فنحن نتذكر، على سبيل المثال لا الحصر، كيف سُمح للجنود الأوكرانيين، في عام 2014 عندما حوصرت القوات الأوكرانية، أن يغادروا تاركين وراءهم المعدات الثقيلة لتجنب الخسائر غير الضرورية بين “الأخوة”.

لكن الغرب انتصر في انقلاب عام 2014، ونجح في تحويل أوكرانيا إلى عدو لروسيا، وأجبرت الظروف بوتين على اتباع مسار معين في التاريخ بلا هوادة، على الرغم من تعارضه مع تفضيلاته الشخصية.

وكانت أولى بوادر موقف موسكو الصارم في بيان بوتين لعام 2018، بأن الهجمات المستمرة على دونباس “سيكون لها عواقب وخيمة للغاية على وجود الدولة الأوكرانية ككل”، وأشار بوتين مرة أخرى إلى نفس الاحتمال في مارس من هذا العام.

وقبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، وعد بوتين أوكرانيا في خطابه بـ “اجتثاث الشيوعية” منها بشكل حقيقي، مشيرا إلى الحملة الأوكرانية لتدمير الإرث الشيوعي قائلا إن أوكرانيا ليست أكثر من كيان اختلقه الشيوعي لينين.

كل هذا بالطبع، لا يلغي الأهداف المعلنة رسميا: اجتثاث النازية ونزع السلاح من أوكرانيا، إلا أنه على أقل تقدير يضيف إليها مهمة إعادة تشكيل المساحة الجغرافية التي احتلتها أوكرانيا حتى وقت قريب.

على أي حال، ومهما كانت خطط بوتين في بداية العملية العسكرية، فمن الواضح الآن أن التهديدات والتحديات قد غدت أكثر خطورة خلال هذه الأشهر.

وفي أوكرانيا، يتم الآن تدمير ليس كل ما هو مرتبط بروسيا فحسب، وإنما حتى بالشعب الروسي: النصب التذكارية للشعراء الروس، والأسماء الروسية، والكتب الروسية، ويحظر استخدام اللغة الروسية، ويوضع في السجن أو يقتل كل أوكراني يشتبه في تعاطفه مع أي شيء روسي، ولو حتى الأغاني الروسية.

في الوقت نفسه، كان أكثر من 20% من سكان أوكرانيا في عام 1991 من أصل روسي، فيما لا تزال اللغة الروسية هي اللغة الأكثر شيوعا هناك.

تكمل أوكرانيا تحوّلها بشكل تام إلى وحش نازي، أيديولوجيته الرسمية هي تفوق الأوكرانيين على الروس، وهو ما يتم الترويج له على نحو كبير من خلال دعاية الدولة.

في رأيي، من الواضح أن ما سيتبقى من أوكرانيا سوف يحولها الغرب إلى أرض خصبة للنازية وكراهية مغالية في التطرف للروس، وسيستخدمها الغرب لمحاربة روسيا.

علاوة على ذلك، وقد تكرر هذا الموقف مرارا في التاريخ، سواء في الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو الآن، يعني ذلك أن الوقت قد حان كي يدرك الروس أن وجود دولة مستقلة عن روسيا على هذه الأراضي يؤدي تلقائيا وحتما في المستقبل إلى خلق تهديد قاتل لوجود روسيا.

وأعتقد أن إدراك هذه الحقيقة قد بدأ في الانتشار تدريجيا في الأوساط السياسية الروسية.

ولا يشير إدراج المناطق الأربع الأوكرانية سابقا إلى روسيا إلى شكل من أشكال السيطرة على هذه المناطق فحسب، وإنما يشير كذلك إلى رفض التسوية كخيار استراتيجية في الحوار مع الغرب، حيث تشير ملاحظات نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف بشأن مدينة كييف، باعتبارها “أم المدن الروسية” إلى أن خطط روسيا تتجاوز هذه المناطق الأربع، وهو أمر يقال صراحة بشكل عام.

إلا أن هيئة الأركان الروسية، في الوقت نفسه، تترك المناطق التي كانت تسيطر عليها سابقا بسهولة نسبية.

ولا أعرف ما إذا كان العدد الحالي للقوات الروسية يمكن أن يكون كافيا للهجوم أم لا، لكني أعتقد أنه من أجل السيطرة على الأراضي الأوكرانية المستقبلية، التي سيتم السيطرة عليها، ستلوح الحاجة إلى المزيد من القوات بأكثر مما هي عليه الآن، حتى مع التعبئة الجزئية.

كذلك يشير بناء التحصينات الدفاعية على طول خط المواجهة الراهن إلى أنه من المرجح أن تكون روسيا في خط دفاعي، ومن غير المرجح أن تخطط لهجوم.

يبدو أن السيطرة على المنطقة في هذه المرحلة ليست أولوية، خاصة بالنظر إلى أن ذلك سيتطلب موارد اقتصادية إضافية. وعلى المدى القصير والمتوسط، تتمثل الأولوية في تدمير الإمكانات العسكرية والاقتصادية والتعبوية لأوكرانيا بأقل إنفاق للموارد، في حين أن طريقة التدمير ليست بنفس القدر من الأهمية.

وبناء على ما سبق، سأصف استراتيجية روسيا على النحو التالي: التدمير المنهجي منخفض الكثافة للدولة الأوكرانية بأقل جهود ممكنة. في الوقت نفسه، فإن منع نشوب صراع مباشر مع “الناتو” هو أمر مفضل، لكنه ليس ضروريا. فالغرب يبلي بلاء حسنا في إلحاق أقصى قدر من الضرر بدول “الناتو” بمفرده، ودون إجراءات إضافية من روسيا، في الوقت الذي أصبحت فيه أوكرانيا عبئا ثقيلا على الغرب بشكل متزايد مع كل شهر.

في يونيو من هذا العام، صرح الرئيس فلاديمير بوتين بأن بطرس الأكبر كان في حالة حرب مع السويد لمدة 21 عاما من أجل عودة الأراضي الواقعة على ساحل بحر البلطيق إلى روسيا، و”نصيبنا أن نعود نحن أيضا إلى عملية استعادة الأراضي”. أعتقد أن حربا ممتدة لا تخيف بوتين، خاصة إذا كانت محدودة النطاق، فسوف تنفد موارد روسيا بشكل أسرع من الغرب، لكن موارد أوكرانيا سينفقها الغرب، وستعود البلاد إلى العصر الحجري في وقت أبكر بكثير من نفاد موارد روسيا، بما يعني أن الحرب في أوكرانيا ستنتهي قبل نفاد موارد روسيا. علاوة على ذلك، سيواجه الغرب حاجة إلى حرب مباشرة مع روسيا، ومن ثم لن يحمل حجم الموارد لدى الجانبين حينها أي أهمية.

إضافة إلى ذلك، فإن الغرب محدود في الوقت بسبب الأزمة الاقتصادية المتزايدة التي يمكن أن تدمر الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، فضلا عن الحاجة إلى إطلاق إجراءات عدائية بشكل عاجل ضد الصين.

لذلك ستحاول واشنطن زيادة حجم الحرب ووتيرتها، بينما ستعمل روسيا، على العكس من ذلك، على إبطائها وخفضها.

بطريقة أو بأخرى، فقد فقدت الدولة الأوكرانية، في رأيي المتواضع، فرصتها التاريخية في الوجود بأي شكل وأي حجم، بينما تعتمد درجة المعاناة التي سيتعين على الأوكرانيين مواجهتها فقط على تصميم زيلينسكي وأسياده على القتال حتى آخر أوكراني.

المصدر: “روسيا اليوم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى