تحليلاتخاصرئيسية

هل ينفجر جنوب لبنان نحو حرب شاملة؟ (تقدير موقف)

بغداد/ عراق أبزيرفر

تؤشر المعطيات الحالية إلى أن إسرائيل لا تزال تتريث في اتخاذ قرار بتنفيذ اجتياح بري واسع ضد حزب الله، وتستمر في اعتماد استراتيجية عسكرية قائمة على الاستهداف الموجه لمواقع الحزب وقادته، مع تصعيد تدريجي في حدة العمليات الجوية، بهدف إضعاف قدرات الحزب تدريجياً قبل الانتقال إلى مراحل أخرى أكثر تعقيدًا.

يبدو أن هذه الاستراتيجية تعتمد على مبدأ “التآكل التدريجي” لقوة حزب الله العسكرية عبر قصف مكثف ومستمر، مما يسمح لإسرائيل بتفادي المواجهات البرية المكلفة مع الاحتفاظ بزخم الضغط العسكري.

وأسفرت الهجمات الإسرائيلية على مواقع حزب الله، عن مقتل العديد من قادة الحزب البارزين وتدمير ترسانته العسكرية، حيث لم تقتصر على الجوانب العسكرية فحسب، بل تجاوزتها إلى التأثير على البنية الاجتماعية والسياسية في لبنان.

ومع تزايد الضغط العسكري، بدأت لبنان تشهد موجة هجرة واسعة من المناطق الجنوبية المتضررة إلى الشمال، وهو ما يعكس الضغط المتزايد على الحزب من ناحية الحاضنة الشعبية، إذ أن استمرار النزوح يعني انخفاض التأييد الشعبي لدور الحزب في الصراع، لا سيما مع تزايد المعارضات الداخلية لسيطرته على القرار اللبناني.
كما تسببت الغارات المكثفة التي شنها الاحتلال على جنوب وشرق لبنان في رفع حصيلة الضحايا إلى مستويات غير مسبوقة منذ حرب 2006، حيث أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض عن ارتفاع عدد الضحايا إلى 558 شخصًا، بينما تجاوز عدد الجرحى 1800، وهو ما أدى إلى ضغط هائل على المستشفيات اللبنانية، مع مشاركة 54 مستشفى في استقبال الجرحى يوم الاثنين وحده، باتت المستشفيات تعاني من نقص شديد في المعدات الطبية والموارد البشرية.

اغتيالات القادة ومعلومات استخباراتية دقيقة

وأثبتت العمليات العسكرية الأخيرة أن إسرائيل تمتلك قاعدة بيانات استخباراتية دقيقة عن بنية حزب الله وقياداته، فقد نفذت ضربات جوية دقيقة استهدفت عدداً من كبار قادة الحزب، مثل إبراهيم عقيل، قائد فرقة الرضوان، وإبراهيم قبيسي، قائد منظومة الصواريخ، ووسام الطويل، قائد جبهة جنوب لبنان، وهو ما يوحي بأن إسرائيل تتمتع بقدرات استخباراتية تفوق توقعات الحزب.

ويُرجح أن هذه المعلومات تم الحصول عليها من خلال اختراقات تكنولوجية مثل أجهزة البيجر أو من خلال عمليات تجسس دقيقة ترصد تحركات القيادات العسكرية وخطط الحزب الهجومية.

ومن الواضح أن تصعيد الغارات الإسرائيلية قد أثر بشكل مباشر على قدرة حزب الله في الرد، إذ تراجعت وتيرة إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني تجاه إسرائيل، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها تزايد رقابة الجيش الإسرائيلي التي حدت من قدرة الحزب على تنفيذ هجمات صاروخية مكثفة، بالإضافة إلى ذلك، فإن النزوح الواسع للسكان المدنيين من مناطق الجنوب جعل حركة الحزب في تلك المناطق مكشوفة وسهلة الاستهداف، مما يزيد من تعقيد مهمته الدفاعية والهجومية.

في هذا السياق، تأتي تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، الذي أكد أن إسرائيل لن تسمح لحزب الله بالتقاط أنفاسه وستواصل الضغط المكثف عبر تكثيف الغارات الجوية وزيادة عدد القوات البرية على الحدود.

هل ستتوسع الحرب؟

وأشار إلى أن الهدف هو تحطيم قدرة الحزب على الردع بشكل كامل، في إشارة إلى نية إسرائيل توسيع نطاق العمليات إذا استدعت الحاجة لذلك، ومن جهة أخرى، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتؤكد هذا التوجه، حيث دعا اللبنانيين إلى التخلص من هيمنة حسن نصر الله وحزب الله، متهماً الحزب باستخدام المناطق المدنية كمخابئ للأسلحة، وهو ما تنفيه الجماعة.
وفي ظل تصاعد حدة القصف، شهد لبنان موجة نزوح غير مسبوقة منذ حرب 2006، حيث اضطر عشرات الآلاف من المدنيين لمغادرة منازلهم في الجنوب والشرق متوجهين نحو المناطق الوسطى والشمالية، مثل صيدا، وبيروت، وطرابلس، بحثاً عن الأمان، فيما فتحت السلطات اللبنانية المدارس والمعاهد لاستقبال النازحين، إلا أن تلك الجهود بدت غير كافية في مواجهة الأعداد المتزايدة، حيث تراكمت السيارات على الطرقات لساعات طويلة في انتظار الوصول إلى مناطق آمنة.

وتعد هذه الموجة من النزوح عاملا إضافيا يساهم في تقلل قدرات حزب الله، حيث تجعل المناطق الجنوبية مكشوفة بشكل أكبر أمام الاستهداف الإسرائيلي، وتقلص من خيارات الحزب في استخدام المناطق السكنية كغطاء لعملياته العسكرية، وبالإضافة إلى النزوح الداخلي، سجلت المعابر الحدودية مع سوريا توافد أعداد كبيرة من اللاجئين اللبنانيين الذين اختاروا الفرار إلى الخارج تجنبًا للمزيد من التصعيد.

على الصعيد العالمي، يتابع المجتمع الدولي التصعيد بقلق، حيث تبرز المخاوف من توسع دائرة الصراع لتشمل دولاً أخرى في المنطقة، إذ ان القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، حثت الجانبين على التهدئة، لكن المؤشرات الحالية لا توحي بقرب انتهاء العمليات العسكرية، لا سيما في ظل استمرار التصريحات الإسرائيلية المتشددة وتصاعد الضغط الداخلي على حكومة نتنياهو لعدم التهاون مع حزب الله.

دخول الفصائل العراقية

ومع دخول “المقاومة الإسلامية في العراق” على خط العمليات، يبدو أن المنطقة تتجه نحو المزيد من التصعيد حيث أعلنت “المقاومة العراقية” قصف هدفين إسرائيليين بصاروخ “كروز مطور” وطائرات مسيرة، وهو ما يشير إلى تحوّل نوعي في طبيعة الصراع الإقليمي، خاصة مع امتداد العمليات العسكرية إلى خارج حدود لبنان، وتحديدا من العراق.

تشير الأحداث الأخيرة إلى تطور مهم في مسار الصراع بين حزب الله وإسرائيل، مع دخول “المقاومة الإسلامية في العراق” على خط العمليات. أعلنت المقاومة العراقية قصف هدفين إسرائيليين بصاروخ “كروز مطور” وطائرات مسيرة، وهو ما يشير إلى تحوّل نوعي في طبيعة الصراع الإقليمي، خاصة مع امتداد العمليات العسكرية إلى خارج حدود لبنان، وتحديدًا من العراق. هذه التطورات تطرح العديد من التداعيات والاحتمالات المستقبلية حول تأثير مشاركة المقاومة العراقية في الصراع.

أبرز التداعيات

تصعيد التوتر الإقليمي

من المرجح أن تؤدي هذه العمليات إلى تصعيد التوترات الإقليمية، حيث أن إسرائيل قد تنظر إلى هذه الهجمات كتهديد جديد يأتي من العراق، مما قد يدفعها إلى توسيع دائرة أهدافها لتشمل مواقع داخل العراق. قد يؤدي ذلك إلى اشتباكات أكبر على مستوى المنطقة، وربما تدخل أطراف دولية في محاولات للتهدئة أو المشاركة بشكل غير مباشر في العمليات.

ضغط على الحكومة العراقية

مشاركة الفصائل العراقية في العمليات ضد إسرائيل قد تُسبب إحراجا للحكومة العراقية، التي تسعى للحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الأطراف الدولية، خاصة وأن العراق يعيش وضعا داخليا معقدا، مع الضغط الأمريكي ووجود تحالفات داخلية تتعارض في رؤيتها للعلاقة مع إسرائيل.

تأثير على العمليات في لبنان

دعم “المقاومة العراقية” قد يخفف الضغط عن حزب الله، خاصة في ظل الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على جنوب لبنان وشرق البلاد، ومع دخول فصائل جديدة على خط المواجهة قد يشكل عبئا إضافيا على الجيش الإسرائيلي الذي سيضطر لتوزيع قدراته العسكرية على أكثر من جبهة، مما قد يعطي حزب الله مجالًا للمناورة واستغلال نقاط الضعف في الدفاعات الإسرائيلية.

انعكاسات على المشهد الدولي

وقد يُنظر إلى مشاركة “المقاومة العراقية” في العمليات ضد إسرائيل على أنها تصعيد جديد قد يجر تداعيات دولية أكبر، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي، قد تجد القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا نفسها مضطرة للتدخل أو اتخاذ موقف بناءً على مصالحها في المنطقة. من المتوقع أن تسعى بعض الدول إلى فرض ضغوط دبلوماسية لتهدئة الأوضاع ومنع مزيد من التصعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى