التمويل يؤرق الذكاء الاصطناعي.. هل يتجه نحو الإفلاس؟
عواصم/ عراق أوبزيرفر
تمكنت “أوبن إيه آي” (Open AI) من التحول إلى حديث الساعة في مختلف القطاعات، سواء كانت مرتبطة بالتقنية أم لا، وذلك بفضل تقديمها تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي القادر على التفاعل مع المستخدمين بشكل مباشر والإجابة عن أسئلتهم.
لم يكن الذكاء الاصطناعي حكرا على “أوبن إيه آي”، كما أن الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس حكرا على الشركة أيضا، ورغم ظهور العديد من النماذج المنافسة لنموذج “شات جي بي تي” (ChatGPT) الذي ابتكرته الشركة، فإن نجم الأخير سطع بشكل تصعب منافسته ليصبح السفير الأول عن تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ظهر نجاح “أوبن إيه آي” بشكل واضح للغاية في الاستثمارات التي تمكنت من جذبها تحديدا من “مايكروسوفت”، فضلا عن جذب ملايين المستخدمين بشكل يومي لدرجة أن الشركة احتاجت لتطبيق أنظمة قوائم الانتظار لتنظيم عملية وصول المستخدمين إلى التقنية، وهو الأمر الذي عزز من نجاح التقنية والإقبال الجماهيري الواسع عليها.
ولكن هذا النجاح الجماهيري لا يعني دوما نجاحا تجاريا موازيا له في الحجم، وربما تكون هذه الحالة التي وصلت إليه “أوبن إيه آي” بعد ظهور تقارير تشير إلى إفلاس الشركة خلال الأشهر القادمة بسبب تكاليف التقنية المرتفعة.
تكلفة تتجاوز 700 ألف دولار يوميا
في العام الماضي، ظهر تقرير في منصة “تيكنيكست” (Technext) يتحدث عن تكاليف تشغيل خدمات “شات جي بي تي” يوميا، وبحسب هذا التقرير، فإن تكلفة تشغيل الخدمة يوميا تصل إلى 700 ألف دولار.
رغم أن التكلفة الكلية لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي لدى شركة “أوبن إيه آي” تبدو غير منطقية للغاية، فإنها تعكس حقيقة هذا القطاع الذي يحتاج في الوقت الحالي إلى جيوب عميقة قادرة على الإنفاق عليه، وهو الأمر الذي ظهر من خلال تقرير شركة “نبيولي” (Nebuly) حول تكاليف تشغيل خدمات “أوبن إيه آي”.
تمكن التقرير من توزيع تكاليف تشغيل الخدمة عبر 8 قطاعات مختلفة، تبدأ مع تكلفة البحث والتطوير التي تكلف 4% من إجمالي التكاليف اليومية، ثم 21% لعملية توليد الصور من الأوامر النصية ودمجها في الواجهات البرمجية بشكل سهل، ثم 2% تكلفة كل من مساحات تخزين الرسائل والاختبار وضمان الجودة إلى جانب الصيانة والتحديثات، وتنفق الشركة حوالي 1% من إجمالي التكاليف اليومية على عمليات التطوير ومراقبة الأداء فضلا عن 3% خاصة بدمج التحديثات والتوافق مع المنصات والتطبيقات الأخرى.
ولكن الحفرة الأكبر إنفاقا في واجهة “أوبن إيه آي” البرمجية هي تكلفة الأوامر النصية وتوليد النصوص المستمر، إذ تصل كلفة توليد النصوص إلى 65% من إجمالي الإنفاق اليومي للمنصة، أي أن توليد النصوص والإجابة على الأسئلة مهما كانت يكلف الشركة يوميا أكثر من 450 ألف دولار تقريبا.
ورغم كون التقرير واضحا ويظهر الكثير من التفاصيل، فإنه يتجاهل جزءا مهما من تكاليف تشغيل خدمات الذكاء الاصطناعي باعتبارها تكاليف ثابتة تضخ لأول مرة فقط، وهي تكاليف الخوادم والبطاقات الخاصة بتشغيل التقنية، ويشير نجاح “إنفيديا” ووصولها إلى قمة نادي التريليون دولار إلى تكاليف هذه البطاقات والأرباح التي تحققها الشركة من ورائها.
في يونيو/حزيران الماضي نشرت صحيفة “بلومبيرغ” مقابلة مع بريان فينتورو المدير التنفيذي لشركة “كورويفز” (CoreWeave) التي تعد إحدى شركاء “إنفيديا” في قطاع بطاقات الذكاء الاصطناعي والمختصة ببناء مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وخلال المقابلة، تحدث فينتورو عن كلفة بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وأشار إلى أن هذه المراكز تحتاج عادة إلى 32 ألف بطاقة ذكاء اصطناعي من بطاقات “إنفيديا” الرائدة.
محمي بخدمة reCAPTCHA
لم يتطرق فينتورو إلى الكلفة الحقيقية لبناء المراكز من ناحية المباني والبنية التحتية والقطع المكملة للصورة، ولكنه اكتفى بالإشارة إلى عدد البطاقات، وعبر هذا العدد يمكننا وضع تكلفة مبدئية لبناء خوادم الذكاء الاصطناعي، إذ تكلف بطاقات “إنفيديا” الخاصة بالذكاء الاصطناعي من نوع “إتش-100” (H-100) بين 30 ألفا إلى 40 ألف دولار تقريبا، وعند بناء مركز يتكون من 32 ألف بطاقة تبدأ تكلفة البطاقة الواحدة عند 30 ألف دولار، فإن القيمة النهائية تتجاوز 960 مليون دولار في البطاقات فقط دون احتساب بقية التكلفة التي من المنطقي أن تتجاوز مليار دولار.
قررت شركة البرمجيات الأمريكية العملاقة مايكروسوفت الاستثمار في شركة “روبريك” الناشئة للبرمجيات
نجاح “أوبن إيه آي” ظهر بشكل واضح في الاستثمارات التي تمكنت من جذبها وتحديدا من “مايكروسوفت”
حاجة مستمرة للتمويل
تبرر التقارير المتعلقة بتكاليف بناء مراكز الذكاء الاصطناعي فضلا عن تشغيل خدمات “أوبن إيه آي” يوميا حاجة الشركة إلى التمويل المستمر، إذ استطاعت الشركة في السنوات الماضية جمع أكثر من 11 مليار دولار عبر مجموعة من 7 جولات تمويلية منذ تأسيسها عام 2015 وفق تقرير موقع “تراكسن” (Tracxn) لتتبع الشركات الناشئة.
يعود الفضل في جزء كبير من هذا التمويل إلى دعم “مايكروسوفت” الكبير للشركة، إذ قامت باستثمار مليارات الدولارات عبر الأعوام الماضية حتى تمكنت “أوبن إيه آي” من إطلاق خدمات “شات جي بي تي” للمرة الأولى وإتاحتها أمام الجميع.
ورغم هذا الدعم الكبير فإن تكاليف تشغيل عمليات “أوبن إيه آي” ما زالت مرتفعة بشكل يجعل “مايكروسوفت” غير قادرة على توفير دعم مستمر للشركة ويجعلها تخشى على القيمة النهائية لاستثماراتها في هذه التقنية الناشئة.
خسائر تصل إلى 5 مليارات دولار
ظهر تقرير من موقع “مانش” (Munch) المختص بتتبع أخبار الشركات حول العالم حول تكاليف “أوبن إيه آي”، وقد أشار التقرير إلى احتمال خسارة الشركة لأكثر من 5 مليارات دولار بحلول نهاية العام المالي 2024 بسبب التكاليف المرتفعة للتشغيل.
يأخذ التقرير في الحسبان تكاليف التوسع المتوقعة لعمليات “أوبن إيه آي” خلال عام 2024، إذ يرجح حاجة الشركة لأكثر من 7 مليارات دولار لتدريب كفاءات جديدة على استخدام تقنياتها وتطويرها فضلا عن 1.5 مليار دولار من أجل نقل العمالة بين الفروع ومراكز البيانات التابعة لها، ورغم هذا، فإن خسارة 5 مليارات دولار تنعكس سلبا على القيمة النهائية للشركة، خاصة أن إجمالي التمويلات التي حصلت عليها هي 11 مليار دولار فقط.
ومن الجدير بالذكر أن الشركة تحتاج باستمرار إلى تطوير تقنياتها والعمل على ابتكار تقنيات جديدة لمواكبة التطور السريع في هذا القطاع، فرغم أن “أوبن إيه آي” كانت من أوائل مقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي للعامة، فإنها ليست أكبر من يقدمها ويوجد العديد من المنافسين الأكثر شراسة والأكبر حجما منها، لذا تحتاج الشركة باستمرار لتطوير خدماتها لمواكبة هذا التحدي.
هل تنجو “أوبن إيه آي”؟
عند النظر إلى أنباء خسارة الشركة وتكاليف تشغيلها يتبادر إلى الذهن تساؤل مباشر حول الخدمات المدفوعة التي تقدمها الشركة، إذ تعرض خدمات مدفوعة سواء كانت من “شات جي بي تي” أو غيرها من الخدمات الأخرى التي تقدمها للمستخدمين والشركات على حد سواء.
ولكن هذه الخدمات المدفوعة قد لا تقدم أرباحا قادرة على تغطية إنفاق الشركة، فقد ذكر تقرير “مانش” أن الخدمات المدفوعة للأفراد والشركات في “أوبن إيه آي” لا تدر إلا 3 مليارات دولار سنويا على الشركة، وهو مالا يكفي لتعويض الخسارة التي تواجهها الشركة.
تحاول “أوبن إيه آي” إيجاد حلول أخرى مبتكرة لمعالجة هذه الخسارة، بدءا من التعاقد مع “آبل” لتقديم خدماتها في هواتف “آيفون” القادمة وحتى محاولة تطوير محرك بحث منفصل خاص بها، ولكن هل تنجح هذه المحاولات في معالجة الأزمة أم تختفي “أوبن إيه آي” التي كانت سببا في انتشار الذكاء الاصطناعي؟