
بغداد/ عراق أوبزيرفر
لا يكاد يمر يوم دون أن يسمع العراقيون عن حالات فساد في هذه المؤسسة او تلك الوزارة، حتى تحولت بعضها إلى مستنقع للصفقات المشبوهة والتلاعب بمقدرات الدولة.
هيئة الاستثمار أصبحت هذه الهيئة في نظر الكثيرين رمزًا للتجاوزات المالية والإدارية التي تعرقل مسيرة التنمية الاقتصادية في البلاد.
وهذا الوضع يدفع للتساؤل حول مدى جدية الجهود الرامية لإصلاح مؤسسة مهمة مثل هيئة الاستثمار التي من المفترض أن المحرك الأساسي لجذب الاستثمارات وتحقيق النهوض الاقتصادي.
تمثل هيئة الاستثمار الوطنية واجهة العراق الاقتصادية، خاصة وأن البلاد تمر بمرحلة إعادة إعمار واستثمارات كبيرة تتطلب بيئة إدارية شفافة وخالية من الفساد، لكن لا كل ما يتمناه العراقيون يدركونه!
تمساح بغداد!
وفي آخر الوقائع المسجلة، أعلنت النائب في البرلمان عالية نصيف عن إحالة معاون مدير عام القانونية في هيئة الاستثمار إلى القضاء.
مصادر عدة أكدت لعراق أوبزيرفر تضخم أموال (س. ج. هـ) التي وصلت إلى نحو 14 مليار دينار وعقارات في أربيل وتركيا ودبي بالإضافة إلى عقار في قلب المنطقة الخضراء وسط بغداد.
فمن أين لموظف بدرجة معاون مدير عام فقط كل هذه الأموال؟!!
هيئة النزاهة سرعان ما تحركت بالرغم من الضغوط التي مريت عليها وأحالت المتهم إلى المحكمة المختصة بالفساد، التي ستبدأ النظر في هذه القضية المدوية.
وأوضحت نصيف أن “هذ الشخص كان يقوم بسحب الأوراق من أية جهة استثمارية ليتمكن من إحالة غالبية استثمارات بغداد إلى ما أسمته بـ”تمساح بغداد”.
وقالت في تدوينة عبر منصة (إكس) إن “ما حدث اليوم في الهيئة الوطنية للاستثمار من خروقات جسيمة متمثلة بمعاون مدير عام القانونية في الهيئة يحتاج منا جميعاً إعادة التدقيق بكيفية وآليات تكليف موظفي هذه الهيئة بمناصبها العليا، حيث لا يخفى أن هيئة الاستثمار تُعتبر العامود الفقري للاقتصاد العراقي”.
وأضافت، “ضمن الجهود الرقابية لمكافحة الفساد، أتوجه بالشكر الجزيل إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى هيئة النزاهة التي عملت بالتنسيق مع لجنتنا (لجنة النزاهة النيابية) لإيقاف فساد معاون مدير عام القانونية في هيئة الاستثمار المُحال سابقاً إلى اللجنة 29 وتوجد ضده عدة قضايا في هيئة النزاهة من بينها تضخم الأموال”.
وأشارت إلى أن “هذا الشخص كان يقوم بسحب الأوراق من أية جهة استثمارية ليتمكن من إحالة غالبية استثمارات بغداد لصالح “تمساح الفساد” الذي هيمن على المشاريع كافة”، مبينة أنها “أول من أثار هذا الموضوع عندما حضر رئيس هيئة الاستثمار إلى لجنة النزاهة”.
بدوره، قال مصدر مطلع في هيئة الاستثمار إن الهيئة تواجه تحديات كبيرة تتعلق بممارسات غير قانونية لبعض المسؤولين، مضيفًا أن “هناك عمليات تحايل منظمة يتم من خلالها تعطيل معاملات المستثمرين بغرض ابتزازهم للحصول على مبالغ مالية”.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ”عراق أوبزيرفر” أن “بعض المسؤولين داخل الهيئة يستخدمون نفوذهم لسحب أوراق المشاريع الاستثمارية ومنحها لشركات معينة مقابل نسب مالية، مما أدى إلى تعطيل عشرات المشاريع التي كان من المفترض أن تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي”.
وأشار إلى أن “الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن هناك أطرافاً داخل الهيئة تُعرف بما يسمى تمساح الاستثمار، وهي شخصيات تُحكم قبضتها على غالبية الاستثمارات الكبرى في بغداد والمحافظات الأخرى”.
خلال السنوات الماضية، كانت هيئة الاستثمار حاضرة في الكثير من حالات الفساد، وهو ما يثير علامات استفهام حول فعالية الإجراءات المتخذة لمكافحته، إذ أن الملفات التي تُفتح تُغلق أحيانًا دون نتائج ملموسة، ما يترك أثرًا سلبيًا على الثقة العامة في مؤسسات الدولة.
سوابق وكوارث
ولم يقتصر الفساد داخل مركز الهيئة في بغداد، بل تعداه إلى المحافظات الأخرى، ففي أغسطس آب الماضي، أكدت رئيس لجنة النزاهة في مجلس البصرة، بيداء مضر، التحرك نحو رفع دعاوى قضائية ضد هيئة الاستثمار وفتح تحقيقات بشأن شبهات الفساد في الوقفين السني والشيعي داخل المحافظة.
وقالت مضر إن “قمنا بجمع أدلة تخص مخالفات رئيس هيئة استثمار البصرة، ونعمل الآن لتحويل هذا الملف إلى محكمة قضاء النزاهة في المحافظة”، كاشفة عن “الحصول على ملفات كثيرة خاصة بسوء الإدارة وأخرى تخص المشاريع الاستثمارية”، مردفة: “وجدنا مخالفات حتى بمجلس استثمار البصرة بالتعاون مع مجلس بغداد”.
ومطلع الشهر الجاري، أعلنت الهيئة العليا لمكافحة الفساد، القبض على رئيس استثمار صلاح الدين بتهمة فساد تتعلق بمشروع سكني ضخم.
وقالت الهيئة في بيان إنها تمكنت من “تنفيذ أمر قبض بحق رئيس هيئة استثمار محافظة صلاح الدين، على خلفية طلب منفعة لأداء عمل من أعمال الوظيفة”.
وأكدت “تمكنها بعد المراقبة والتحري ورصد المكالمات الهاتفية، من ضبط 5 متهمين متلبسين بالجرم المشهود أثناء تسلمهم مبلغ 49 ألف دولار أميركي من أصل مبلغ 100 ألف دولار من أحد المشتكين الذي تعرض للابتزاز والمساومة، لقاء إعادة تفعيل الإجازة الاستثمارية الممنوحة لمشروع إنشاء مجمع سكني في مدينة سامراء بقيمة 240 مليون دولار”.
أرقام مرعبة
وتشير الأرقام إلى أنه من بين 2322 مشروعًا منحتها الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق خلال السنوات الماضية، لم ير النور أو يقترب من رؤيته سوى 613 مشروعًا، بحسب رئيسة الهيئة السابقة سهى داود نجار، التي اتُهمت لاحقًا بالفساد أيضًا.
وأضافت أن “الحكومة العراقية ألغت إجازات استثمارية لأكثر من ألف مشروع”، كانت نسب إنجازها إما صفرًا أو نسبًا متدنية، بعد قرار رئاسة الوزراء آنذاك، والذي قضى بأن تسحب الإجازات من المشاريع التي مر على تاريخ إنجازها المفترض ثلاث سنوات من دون أن تكتمل نسبة من إنشاءاتها على الأقل.