بغداد / عراق اوبزيرفر
مع حلول شهر رمضان، تمتلئ الموائد العراقية بأصناف الأطعمة التقليدية التي تحمل عبق الماضي وذكريات الأجداد. ومن بين هذه الأكلات التي لا تغيب عن المطبخ العراقي في بعض المناطق، تأتي “المسموطة”، تلك الأكلة التراثية التي ارتبطت بأيام الصيام، لما تحمله من فوائد غذائية وقدرتها على منح الطاقة للجسم بعد يوم طويل من الامتناع عن الطعام والشراب.
ورغم التطورات التي طرأت على المطبخ العراقي، إلا أن المسموطة لا تزال تحتفظ بمكانتها، خاصة بين كبار السن الذين نشأوا على رائحتها ومذاقها الفريد، حيث تعيد إليهم ذكريات شهر رمضان كما كان في الماضي، حين كانت الأكلات البسيطة تحمل نكهة العائلة والألفة والتقاليد العريقة.
ما هي المسموطة؟
المسموطة هي واحدة من أقدم الأكلات العراقية التقليدية، وهي عبارة عن سمك مجفف ومملح يتم تحضيره بطريقة خاصة ليحافظ على نكهته لفترات طويلة، حيث يتم تجفيفه تحت أشعة الشمس ثم يُخزّن لاستخدامه لاحقًا، خصوصًا في المناسبات الدينية مثل رمضان. هذه الطريقة في حفظ الطعام تعود إلى عصور قديمة عندما لم تكن وسائل التبريد متاحة، وكان الناس يعتمدون على التجفيف والتمليح لحفظ اللحوم والأسماك.
يتميز هذا الطبق بمذاقه القوي واللاذع قليلًا، وذلك بفضل الطريقة التي يُعد بها، حيث يتم طهي السمك المجفف بصلصة غنية بالتوابل والبهارات، ما يمنحه نكهة مميزة يعشقها محبو المطبخ العراقي التقليدي.
طريقة تحضير المسموطة العراقية
يختلف تحضير المسموطة قليلًا من منطقة إلى أخرى، ولكن الأساسيات تبقى نفسها تقريبًا. إليك الطريقة التقليدية لتحضيرها:
المكونات:
• سمك مملح ومجفف (مثل الشانك أو الكطان)
• كمية من الطحين
• بصل مفروم
• ثوم مهروس
• تمر هندي (منقوع بالماء للحصول على عصير التمر الهندي)
• طماطم مقطعة
• معجون الطماطم
• ملح وفلفل أسود
• كركم
• كمون
• زيت نباتي
طريقة التحضير:
1. يتم نقع السمك المجفف في الماء الساخن لبضع ساعات لإزالة الملح الزائد وجعله أكثر طراوة.
2. بعد النقع، يُقطع السمك إلى قطع متوسطة الحجم، ثم يُغسل جيدًا ويُصفّى.
3. يُغمر السمك بالطحين ويُقلى في الزيت الساخن حتى يصبح ذهبي اللون.
4. في قدر آخر، يُحمّر البصل مع الثوم حتى يصبح لونهما ذهبيًا، ثم تضاف الطماطم المقطعة ومعجون الطماطم ويتم تقليب الخليط جيدًا.
5. يُضاف عصير التمر الهندي إلى الخليط مع كمية مناسبة من الماء، ثم تضاف البهارات (الكركم، الكمون، الملح، والفلفل الأسود) ويُترك المزيج ليغلي لبضع دقائق.
6. تُضاف قطع السمك المقلي إلى القدر، وتُترك المسموطة على نار هادئة لمدة 20-30 دقيقة حتى تتشبع بالنكهات.
7. تُقدّم ساخنة مع الرز الأبيض أو الخبز العراقي.
المسموطة في ذاكرة العراقيين
للمسموطة مكانة خاصة في قلوب العراقيين، وخصوصًا كبار السن الذين يعتبرونها جزءًا من التراث الغذائي الذي يذكّرهم بأيام الطفولة، عندما كانت الأكلات تُعد بحب وجهد، وكانت العائلة تجتمع حول سفرة واحدة بعد أذان المغرب لتتناول هذا الطبق المميز.
يقول الحاج أبو حسن، وهو رجل في الستينات من عمره من بغداد: “المسموطة من الأكلات اللي كنا ننتظرها أيام رمضان، كانت أمي وجدتي يطبخنها بحب، واليوم رغم توفر كل شيء بالسوق، تبقى نكهة المسموطة التقليدية ما إلها مثيل.”
أما أم علي، وهي ربة منزل من البصرة، فتقول: “زمان، كنا نشتري السمك ونملحه وننشره على السطوح حتى يجف، واليوم أغلب الناس يشترون السمك المجفف جاهز، بس يبقى طعم المسموطة مرتبط بالذكريات الحلوة، خصوصًا بليالي رمضان.”
المسموطة في مواجهة الزمن
رغم أن الأكلات الحديثة والمطاعم السريعة أصبحت تسيطر على موائد رمضان في العراق، إلا أن هناك من لا يزالون يحافظون على تحضير المسموطة، لأنها ليست مجرد طعام، بل جزء من التراث الذي يربط العراقيين بماضيهم.
اليوم، تُباع المسموطة الجاهزة في الأسواق الشعبية، ولم يعد تجفيف السمك في المنازل شائعًا كما كان في السابق، لكن نكهة الطبق لا تزال تحمل نفس الدفء والحنين للأيام القديمة.
