
بغداد/ عراق أوبزيرفر
أثارت حادثة وفاة طالبين في الكلية العسكرية العراقية، في يومهما الأول من التدريب، غضباً شعبياً واسعاً، وسط تساؤلات حادة حول طبيعة المناهج التدريبية ومدى التزامها بالمعايير الإنسانية والعسكرية، لاسيما بعد تداول معلومات تتحدث عن قسوة غير مبررة في أساليب التدريب.
وكان أكثر من 100 طالب من الدورة الجديدة في الكلية العسكرية بمحافظة ذي قار تعرَّضوا لحالات إغماء خلال عملية الاستقبال، مطلع الأسبوع الحالي؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة اثناء التدريبات.
وبحسب شهادات اهالي الطلبة فإنه تم تسجيل 6 حالات خطرة بين الطلبة المتدربين في اليوم الأول لمباشرتهم التدريب في الكلية العسكرية، توفي اثنان منهم جرى تشييعهما الخميس، مع دعوات بإيقاع أقصى العقوبات بحق الضباط والمنتسبين الذين أجبروا الطلبة الجدد على شرب الماء من حاوية تَبيَّن أن الماء الذي تحتويه لم يكن نظيفاً، الأمر الذي أدى إلى تسمم العشرات منهم ووفاة اثنين.
وتحوّلت الحادثة إلى قضية رأي عام، دفعت الحكومة العراقية إلى التحرك سريعاً، حيث أقال، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عدداً من كبار الضباط، بينهم آمر الكلية العسكرية الفريق الركن ناصر الغنام، ووجّه بتشكيل مجلس تحقيقي لمحاسبة المقصرين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، في محاولة لاحتواء الغضب وطمأنة الشارع العراقي
ويرى مراقبون أن حادثة وفاة الطالبين في الكلية العسكرية كشفت عن فجوة عميقة في آليات التدريب والتعامل مع الطلبة المستجدين، خصوصاً أولئك القادمين من الحياة المدنية، الذين لم يُمنحوا فرصة كافية للتأقلم مع بيئة عسكرية صارمة.
دعوات لإيضاحات شفّافة
بدوره، حذّر الخبير الأمني أحمد الشريفي من خطورة تكرار حادثة وفاة طالبين في الكلية العسكرية العراقية، مؤكداً أن “ما جرى حادثة قاسية تتطلب توضيحاً شفافاً ومحاسبة دقيقة ومراجعة شاملة للمؤسسات العسكرية، خاصة في ما يتعلق بجودة الإشراف الرقابي والمتابعة النيابية لسير العمليات التدريبية”.
وقال الشريفي لـ”عراق أوبزيرفر”، إن “المؤسسة العسكرية تضررت كثيراً بسبب المحاصصة السياسية التي أثرت سلباً على كفاءتها على مختلف المستويات”، مضيفاً أن “ما حدث مؤخراً يعكس غياباً واضحاً للرعاية الصحية والرقابة الميدانية داخل ساحات التدريب”.
وأشار الشريفي إلى أن “الطلبة كانوا لا يزالون في المرحلة المدنية من حيث اللياقة البدنية، وكان يفترض أن تُدرّج التدريبات بصورة تراعي القدرة البدنية لهم، لا أن تُصدم أجسادهم فجأة بجرعات تدريب قاسية”، حيث أن غياب الرعاية الطبية الميدانية التي تأخذ بالحسبان الضغط الجوي والحالة النفسية للمقاتل أدى إلى تفاقم الوضع، فضلاً عن وجود مؤشرات على منع المياه عن الطلبة، وهو ما يمثل تقصيراً خطيراً”.
وشدّد الشريفي على “ضرورة إعادة النظر في أساليب التدريب العسكرية، وتوفير بيئة تدريبية متوازنة تراعي المعايير الإنسانية والصحية، مع محاسبة المقصرين وعدم السماح بتكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً”.
وتفتقر كثير من مؤسسات الدولة، لاسيما العسكرية منها، إلى منظومات رقابة فاعلة تضمن سلامة الإجراءات وتطبيق المعايير المهنية والإنسانية في التدريب والعمل.
ويرى مختصون أن غياب الرقابة الداخلية، وضعف المتابعة البرلمانية، والتداخلات السياسية، كلها عوامل ساهمت في تراجع جودة الأداء داخل هذه المؤسسات، وجعلت العديد من القرارات تتخذ من دون تقييم دقيق للمخاطر.