
بغداد/ عراق أوبزيرفر
تجدد الجدل في العراق، بشأن اتفاقية خور عبدالله البحرية المبرمة مع الكويت عام 2013، بعد تداول أنباء عن قيام كل من رئيسي الجمهورية والوزراء بإقامة دعوى رسمية تطالب المحكمة الاتحادية العليا بالعدول عن قرارها السابق القاضي بعدم دستورية الاتفاقية، في خطوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام لدى الأوساط القانونية والنيابية، وفتح الأبواب امام التأويلات لاسيما مع المتغيرات التي تشهدها المنطقة والضغوطات الاميركية لإدارة ترمب وكذلك قرب الانتخابات البرلمانية في العراق، ما يجعل طرح هذا الملف الذي لا يحظى بالمقبولية الشعبية امراً غريباً ويعرض مقدميه لفقدان شعبيتهم في الشارع العراقي، بل ان مراقبين وصفوه بالإنتحار السياسي!
ورغم تداول هذه التقارير في وسائل الإعلام، فإن الجهات الرسمية لم تصدر حتى الآن أي تأكيد أو نفي لهذه الأنباء، ما جعل الملف عرضة للتأويل والجدل، خصوصًا أن قرار المحكمة الاتحادية الصادر في 4 أيلول/سبتمبر 2023، والقاضي بعدم دستورية القانون رقم (42) لسنة 2013 الخاص بالمصادقة على الاتفاقية، وُصف في حينه بأنه نهائي وملزم لجميع السلطات، استنادًا إلى المادة 94 من الدستور العراقي.
وعلق قانونيون على هذه التطورات بالإشارة إلى أن تقديم طلب للعدول عن قرار سابق من المحكمة الاتحادية يُعد أمرًا بالغ التعقيد قانونيًا، نظرًا لطبيعة القرارات الصادرة عن هذه المحكمة بوصفها أحكامًا باتة غير قابلة للطعن أو المراجعة، ما لم يتم تغيير الدستور نفسه أو ظهور مخالفة جسيمة في الإجراءات، وهو أمر لم يثبت إلى الآن بحسب مختصين في القانون الدستوري.
ولم يكن الجدل السياسي حول اتفاقية خور عبدالله جديدًا، بل يعود إلى ما بعد عام 2012 حين بدأت الحكومة العراقية السابقة سلسلة تفاهمات مع الجانب الكويتي لترسيم الحدود البحرية وفق قرارات مجلس الأمن بعد عام 1990، وعلى رأسها القرار 833، الذي كان محل تحفظ عراقي واسع في الأوساط الشعبية والسياسية، باعتباره أقر ترسيمًا بحريًا لا يحظى بموافقة الجانبين.
ويرى متابعون أن إقدام الدولة العراقية على تقديم دعوى للعدول عن قرار المحكمة الاتحادية قد يفتح الباب أمام نزاع قانوني كبير، يعيد ملف خور عبدالله إلى الواجهة، ويثير مخاوف من تداعيات سياسية جديدة، خاصة في ظل تجدد الخلافات مع الجانب الكويتي حول آليات ترسيم الحدود، وقرب موعد إحالة هذا الملف مجددًا إلى الأمم المتحدة
وفي الوقت الذي يطالب فيه سياسيون بإغلاق ملف الاتفاقية وفق حكم المحكمة الأخير، تظهر تحركات معاكسة تسعى إلى إعادة الاعتبار للاتفاقية، في مشهد يؤكد استمرار الانقسام الداخلي بشأن قضية يُنظر إليها على أنها تمس جوهر السيادة العراقية.
و استبعد عضو مجلس النواب السابق عن محافظة البصرة القاضي وائل عبد اللطيف امكانية الغاء قرار المحكمة الاتحادية الخاص بعدم دستورية إتفاقية خور عبد الله .
وقال عبد اللطيف لـ عراق اوبزيرفر إن “اي قرار تصدره المحكمة الاتحادية يأخذ صفة البتات ويصبح ملزم لكافة السلطات”، مضيفا “اما مطالبات كلا من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ما هي الا محاولة لترضية الجانب الكويتي بأي شكل كان بحسب وصفه، وهو مطلب ليس بالجديد فخلال زيارة رئيس الوزراء العراقي الى الكويت ومقابلته نظيره الكويتي جرى تنسيق بضرورة انهاء قرار المحكمة الاتحادية الخاص بخور عبد الله”.
وتساءل عبد اللطيف “كيف من الممكن تجاوز الدستور العراقي المتعلق بالمادة 94 منه والتي تنص على كون قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة على السلطات كافة “، معربا عن “اعتقاده بخروج مظاهرات عارمة في حال الغاء القرار “.
وأشار البرلماني السابق الى انه “ليس من حق اي مسؤول بالدولة ان يلغي قرار المحكمة الاتحادية مهما صفته او منصبه”.
بدوره، أكد خبير الحدود والمياه الدولية اللواء جمال الحلبوسي ان الخلاف المتعلق باتفاقية تنظيم الملاحة البحرية هو فني وقانوني. متوقعا رد المحكمة الاتحادية لدعوى العدول عن قرار بطلانها السابق.
وقال الحلبوسي في تصريح لوكالة “عراق اوبزيرفر “: “اطلعنا على معلومات متداولة في منصات الكترونية تفيد بتقديم طلب من رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء دعوة اتحادية تتضمن عدم دستورية قانون ابطال اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله مبينا ان الاتفاقية موجودة بالفعل لكن ابطالها تقع ضمن مسؤولية مجلس النواب لكونه هو الذي اقرها والمحكمة هي التي الغتها”.
واضاف انه “لا يجوز لرئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء الضغط على المحكمة الاتحادية او ارسال دعوى ضد قراراتها حيث لها الحق القانوني في ردها وتابع ان الموضوع المتعلق بمضامين الاتفاقية هو فني ومن الافضل ان يحال الى خبراء مستشارية الامن القومي في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية لوجود عدد كبير من الخبراء والمختصين في المجال القانوني والفني لاعطاء الملاحظات الدقيقة من دون تدخلات صانعي القرار”.
واشار الحلبوسي الى ان “اعادة تفعيل الاتفاقية بشكلها لايخدم العراق من حيث السيادة ولا تخدم الحقوق في المجالات البحرية حيث ان ترسيم الحدود البحرية هو عمل فني وقانوني لافتا الى ان الكويت قامت بهذا العمل بمفردها وحددت خارطتها البحرية وتريد من العراق القبول بها من خلال اصدار مرسوم اميري”.