
بغداد/ عراق أوبزيرفر
أعاد اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، طرح أسئلة جوهرية حول التحول في السياسة العراقية تجاه النظام الجديد في دمشق، لا سيما وأن هذا اللقاء جاء بعد شهور من الصمت والتريث الرسمي، وسط تباين داخلي بشأن شكل العلاقة الواجب تبنيها مع القيادة السورية الناشئة.
اللقاء الذي جرى في العاصمة القطرية الدوحة، على هامش زيارة خاطفة أجراها السوداني، مثّل أول اتصال مباشر على هذا المستوى بين بغداد ودمشق منذ سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي، حيث ناقش الطرفان ملفات حدودية وأمنية واقتصادية، وجرى التأكيد على أهمية احترام حقوق الإنسان والتعددية الدينية في سوريا.
وتقول مصادر مطلعة إن اللقاء لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل خطوة محسوبة بدقة في سياق إقليمي متغيّر، تسعى من خلاله بغداد إلى تعزيز موقعها في التعامل مع الملف السوري.
وشكّل الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي كان في وقت سابق جزءًا من التنظيمات الإرهابية، نقطة خلاف داخل الأوساط السياسية العراقية.
غير أن الحكومة العراقية بدأت منذ أسابيع عملية تواصل تدريجية مع دمشق، تمثلت في زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بغداد منتصف آذار، أعقبتها مكالمة هاتفية بين السوداني والشرع، للتهنئة بعيد الفطر، في مؤشر على أن العلاقة تسير نحو إعادة التفعيل.
لتعزيز الدور الإقليمي
بدوره، قال المحلل السياسي ناجي الغزي إن “العراق قد تجاوز مرحلة الترقب والحذر في تعامله مع القيادة السورية الجديدة، بعد أن وجّه دعوة رسمية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع لحضور القمة العربية المقررة في بغداد في (17) مايو 2025”.
وأضاف الغزي لـ”عراق أوبزيرفر” أن “هذا الموقف يعكس تحولاً واضحاً في السياسة العراقية تجاه دمشق، إذ انتقل من الحفاظ على علاقات تقليدية مع نظام الأسد إلى تبني مقاربة أكثر انفتاحاً تجاه القيادة السورية الجديدة”.
وأكد الغزي أن “بغداد تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز دورها الإقليمي كوسيط فاعل، قادر على التواصل مع مختلف الأطراف، مع الحفاظ على توازن دقيق بين التزاماتها الدبلوماسية ضمن منظومة الجامعة العربية، واعتباراتها السياسية الداخلية”.
وأشار إلى أنه “يمكن قراءة دعوة الشرع واللقاء على أنها إجراء بروتوكولي بالدرجة الأولى، نابع من كون سوريا عضوًا رسميًا في الجامعة العربية، ومن الطبيعي أن توجه لها الدعوة للمشاركة في القمة، لا سيما بعد استعادة مقعدها في العام الماضي”.
في غضون ذلك، ربط مراقبون هذا التحول بمناخ إقليمي جديد يتبلور مع انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، والتي تفتح الباب أمام تفاهمات أوسع في ملفات المنطقة، منها الملف السوري.
ورغم ما أُثير من انتقادات داخلية، إلا أن مصادر حكومية عراقية تؤكد أن الخطوة المقبلة قد تتضمن تفعيل اتفاقيات قديمة، وتبادل زيارات رفيعة المستوى، تمهيدًا لفتح قنوات تعاون أوسع، خصوصًا في قضايا ضبط الحدود وعودة اللاجئين.
وبين تصاعد التباين السياسي داخل العراق، والتسارع في إيقاع المتغيرات الإقليمية، يبقى الملف السوري واحدًا من أكثر الملفات حساسية أمام الحكومة العراقية، التي تجد نفسها مطالبة بإدارة دقيقة لهذا التحول، بين ضرورات الأمن والمصالح، وضغوط الداخل والانتماءات القديمة.