الذكرى السنوية
تحليلاتخاص

العراق يختنق تحت العواصف الغبارية.. أين اختفى الحزام الأخضر؟

بغداد/ عراق أوبزيرفر
تدهور بيئي متسارع يشهده العراق، إثر ارتفاع معدلات التصحر وتكرار العواصف الترابية التي ضربت البلاد مؤخرًا، وسط تساؤلات عن غياب مشاريع الحزام الأخضر التي ظلت لعقود مجرد وعود متكررة لم ترَ النور، رغم توقيع العراق على اتفاقيات دولية عديدة تتعلق بالمناخ والاقتصاد الأخضر وتلقيه دعمًا خارجيًا في هذا المجال.
وتعرضت العاصمة بغداد وعدد من المحافظات خلال الأيام الماضية إلى عاصفة ترابية عنيفة تسببت في تسجيل أكثر من 3000 حالة اختناق، من بينها نحو 1800 حالة في بغداد وحدها، إضافة إلى ما لا يقل عن 700 حالة اختناق في محافظة المثنى.
وبدت شوارع العاصمة ومحافظات أخرى، ملطخة بلون ترابي كثيف، والمنازل محاصرة بكمّيات غير مسبوقة من الأتربة، ما أعاد ملف التصحر إلى الواجهة مجددًا مع تصاعد التحذيرات من أن العراق يدخل مرحلة بيئية حرجة، تحتاج إلى استجابة فورية تتجاوز التصريحات والخطط الورقية
بدوره أكد الخبير الزراعي تحسين الموسوي، أن “البلاد دخلت المرحلة الثالثة من التصحر، وهي مرحلة وصفها حرجة”، محذرًا من “تداعيات خطرة على البيئة والصحية العامة”.

وقال الموسوي لـ”عراق أوبزيرفر”، إن “أزمة التصحر وارتفاع العواصف الترابية ليست وليدة اللحظة، بل حذرت منها الأمم المتحدة منذ أكثر من أربع سنوات، وهي مرتبطة بثلاثة ملفات رئيسية؛ شح المياه، والتغير المناخي، وسوء إدارة الموارد”.
وأضاف أن “ما يُشاع عن التوسع في الحزام الأخضر يفتقر إلى المصداقية، لأن الدولة لم تحافظ أصلًا على المساحات الخضراء الموجودة، كما أن العديد من البساتين والمساحات الزراعية تم تجريفها، خصوصًا في بغداد التي تُعد المتضرر الأكبر، فضلًا عن محافظات أخرى شهدت زحفًا عمرانيًا عشوائيًا”.
وأشار الموسوي إلى أن “استمرار إزالة الغطاء النباتي أدى إلى ارتفاع مستويات التلوث، وزيادة انبعاث الغازات والعوادم، ما يمثل خطرًا متصاعدًا على صحة الإنسان”، لافتًا إلى أن “العراق وقّع على اتفاقيات المناخ والاقتصاد الأخضر، وتلقى دعمًا دوليًا في هذا الجانب، لكن ما يجري حتى الآن لا يتجاوز حدود الخطابات الإعلامية”.

أرقام مرعبة
وتُظهر الإحصائيات الرسمية أن نحو 15% من مساحة العراق باتت متصحرة، ما يعادل أكثر من 27 مليون دونم، بينما تُصنف نحو 55% من الأراضي على أنها مهددة بالتصحر نتيجة العوامل الطبيعية والتدخل البشري غير المنظم.
وتشير تقديرات وزارة الزراعة إلى أن العراق يفقد سنويًا أكثر من 100 ألف دونم من أراضيه الصالحة للزراعة، بسبب التعرية المناخية والتجريف والتلوث، فيما انخفض الغطاء النباتي في البلاد من 50% إلى نحو 17% خلال العقدين الماضيين، وهو مؤشر خطير يعكس تسارع عملية التصحر، مقابل مشاريع حكومية بقيت رهينة الوعود دون تنفيذ حقيقي.
وتُشكل العواصف الترابية التي باتت تتكرر بشكل دوري في العراق، واحدة من أبرز التحديات البيئية والصحية، حيث ارتفعت وتيرتها من خمس إلى عشر عواصف سنويًا خلال العقود الماضية، إلى أكثر من 270 عاصفة متوقعة خلال السنوات المقبلة، بحسب بيانات وزارة البيئة، ما يفاقم خطر الإصابات التنفسية، خاصة لدى الفئات الهشة من كبار السن والأطفال والمرضى المزمنين، في ظل تراجع البنية التحتية الصحية في المحافظات المتأثرة.

وعلى الرغم من إعلان الحكومة العراقية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحماية وتحسين البيئة للفترة من 2024 إلى 2030، إلا أن تنفيذ هذه الاستراتيجية لا يزال في بداياته.
وتنتظر البلاد ترجمة فعلية لبنودها، خاصة ما يتعلق بإيقاف التوسع العمراني العشوائي، وزيادة التشجير، والتعامل مع آثار التغير المناخي بشكل علمي وممنهج، فيما تستمر المطالبات من الجهات البيئية ومنظمات المجتمع المدني بأن تتحول تلك الاستراتيجيات من وثائق نظرية إلى مشاريع حقيقية على الأرض تعيد التوازن البيئي وتحمي الأجيال القادمة من كارثة وشيكة باتت ملامحها واضحة في سماء البلاد الملبدة بالغبار والأمل المؤجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
document.addEventListener("DOMContentLoaded", function() { if (document.querySelector("nojq")) { document.querySelector("nojq").addEventListener("click", function() { console.log("Element clicked!"); }); } });