
بغداد/ عراق أوبزيرفر
رغم مرور أكثر من عقدين على التحوّل السياسي في العراق، لا تزال محاولات تشكيل تحالفات سياسية “عابرة للطوائف” تصطدم بواقع مجتمعي وسياسي لم يبرأ بعد من آثار الانقسام الهوياتي العميق، ما يجعل كل دورة انتخابية ساحة لإعادة إنتاج نفس الاستقطابات، حتى وإن تزيّنت بخطابات وطنية حديثة أو بشعارات “مدنية” براقة.
ومنذ عام 2003، رسمت العملية السياسية في العراق خطوطها العريضة على أساس المكونات، إذ برزت قوى تمثل الطيف الشيعي وأخرى تمثل السنة وثالثة للكرد، ضمن ما بدا حينها “توافقًا مرحليًا” لضمان التمثيل، لكنه تحول بمرور الوقت إلى قيد بنيوي عميق يمنع تجاوز تلك القوالب.
ومع كل انتخابات، تتصاعد الدعوات إلى تجاوز الانقسامات الطائفية وبناء دولة المواطنة، لكن تلك الدعوات غالباً ما تتحول إلى مجرد حملات دعائية تنتهي مع انتهاء الاقتراع، لتعود الأمور إلى سابق عهدها، وسط إخفاقات سياسية في تقديم نموذج حكم مبني على الكفاءة والمؤسسات لا على الولاءات والانتماءات.
ووفق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإن أكثر من 70 حزباً وتحالفاً قد تم تسجيلها استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقبلة، ضمن أرقام تبدو لوهلة مؤشراً على التعددية والحراك السياسي، لكنها في الواقع تعكس في جزء كبير منها إعادة تدوير القوى التقليدية نفسها، سواء عبر مسميات جديدة أو تحالفات تكتيكية هدفها تعظيم الحصص لا بناء مشروع وطني.
وقال رئيس الفريق الإعلامي في المفوضية، عماد جميل، في تصريح صحفي، إن “تم تسجيل أكثر من 70 حزباً للمشاركة في الانتخابات المقبلة”، مبيناً أن “الأحزاب التي تمتلك إجازة رسمية وغير مدرجة ضمن قوائم الرغبات يحق لها أيضاً تقديم قوائمها الانتخابية”.
وأضاف جميل أن “عدد التحالفات القديمة المسجلة يتجاوز 60 تحالفاً، ويمكن تحديث بياناتها في حال انضمام أو انسحاب أي حزب، كما يحق لرئيس التحالف ترؤس أكثر من تحالف واحد”، مشدداً على أن “شعارات التحالفات يجب أن تكون غير طائفية ومتوافقة مع معايير المفوضية”.
من الشعارات إلى الاصطفافات.. لا جديد يُذكر
ويرى مراقبون أن الخطابات التي تُطرح عشية كل انتخابات، مثل “التحالفات العابرة للطوائف” و”الدولة المدنية”، سرعان ما تُفرغ من مضمونها وتتحول إلى أدوات تجميل لتحالفات تقليدية، فالكثير من الكيانات السياسية تلجأ إلى تغيير الأسماء أو واجهات التحالف دون تغيير جوهري في البنية أو الأهداف، التي تبقى مرهونة بالحسابات المناطقية والطائفية.
ويذهب محللون إلى أن هذه المحاولات تهدف في جوهرها إلى توسيع قاعدة الناخبين، وتحقيق مكاسب برلمانية، حتى وإن تطلّب ذلك إعادة تدوير تحالفات قديمة بأقنعة جديدة، في وقت تغيب فيه الإرادة الجادة لإعادة صياغة النظام السياسي على أسس عابرة للهوية.
المجتمع لم يتجاوز الطائفية.. فكيف تتجاوزها التحالفات؟
بدوره أكد النائب محمد الزيادي، أن الحديث عن تحالفات عابرة للطوائف في العراق ما يزال بعيداً عن الواقع، بسبب عدم تجاوز المجتمع العراقي لهذه المسائل بشكل فعلي.
وأوضح الزيادي في تصريح لـ”عراق أوبزيرفر”، أن “المجتمع لم يتجاوز حتى الآن البُعد الطائفي، وهذا ينعكس بشكل مباشر على شكل التحالفات السياسية، التي ما تزال تُبنى على أسس طائفية ومناطقية واضحة”.
وأضاف أن “اليوم، من غير الممكن مثلاً أن يترشح محمد الحلبوسي في الجنوب ويحصل على أصوات، أو أن يُنتخب نوري المالكي في الأنبار أو نينوى، وهذا يؤكد أن الأرضية المجتمعية لتحالفات عابرة للطوائف لم تنضج بعد”.
وتابع الزيادي أنه “ربما يمكن الحديث عن محاولات لتحديد الطائفية أو تخفيفها، لكن تجاوزها بالكامل لم يحدث حتى الآن، وما زلنا بعيدين عن بناء مشروع سياسي وطني موحد”.
ورغم الواقع المعقد، لا تزال بعض القوى السياسية تعلن عن مبادرات جديدة تصفها بأنها “عابرة للطوائف”، لكن التدقيق في مضمونها يكشف أن أغلبها تبقى متمركزة حول قضايا مناطقية أو مكونية، ولو حملت شعارات وطنية.